الأحد، 27 مارس 2011

مزرعة الحيوانات الجزء التاسع

 مزرعة الحيوانات الجزء التاسع







الفصل التاسع
طال الوقت اللازم لشفاء حافر بوكسر المصاب. وقد بدأت الحيوانات إعادة بناء الطاحونة مباشرة بعد انتهاء الاحتفال بالنصر غير أن بوكسر رفض أخذ إجازة ولو ليوم واحد، وعدّ إظهار وجعه شأناً يمس كرامته.. لاسيما في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها المزرعة. وكان يبوح ليلا بمعاناته الكبيرة من الألم لكلوفر التي كانت تضمد جرح حافره بأعشاب تمضغها وتضعها على مكان الاصابة. وبقيت تلح هي وبنجامين عليه لكي يخفف العمل ولا يرهق نفسه بما لا تطيق، ولكنه لم يكن يصغي إليهما لأنه كما يقول لا يطمح الى شيء فيما تبقى من حياته، قبل أن يبلغ سن التقاعـد، سوى أن يرى الطاحونة منتصبة.

* * *
في بداية الثورة، وحين سُنت قوانين مزرعة الحيوان، حدد سن التقاعد للخيول والخنازير في الثانية عشرة، وللبقر بالرابعة عشرة، وللكلاب في التاسعة، وللخراف في السابعة، وللدجاج والأوز في الخامسة، وجرى الاتفاق على منح معاش مجزي للحيوانات المتقاعدة. ومع أن أياً من الحيوانات لم يُحَلْ إلى التقاعد بعد أو على وشك بلوغ سن التقاعد غير بوكسر الذي سيبلغ سن التقاعد في أواخر صيف العام القادم، إلا أن الحديث كَثُرَ في الآونة الأخير عن هذا الموضوع.وقد أشيع إثر الاعلان عن تخصيص المرعى الصغير خلف بستان الفاكهة لزراعة الشعير أن جانبا من المرعى الكبير سوف يحاط بسياج ويُحَوَّل إلى مرعى للحيوانات المتقاعدة، وأشيع أيضا أن معاش التقاعد للخيول سيكون خمسة أرطال من الذرة يوميا وخمسة عشر رطلا من العشب في الشتاء بالإضافة إلى حبة جزر أو تفاحة واحدة في المناسبات العامة.
* * *
كان البرد شديدا هذا الشتاء مثلما كان عليه في العام الماضي، وغدت الحياة صعبة وضاعف من قسوتها شح الطعام بعد ان خُفضت حصص الأرزاق مرة ثانية باستثناء حصص الخنازير والكلاب. ومثلما فعل في المرات الماضية لم يجد سكويلر صعوبة في إقناع الحيوانات أن الضرورة تحتم تعديل الحصص. وكان دائما يشير إلى "التخفيض" بـ"التعديل". وأكد لها، على الرغم من ذلك، أن التحسينات التي طرأت على حياتها مقارنة بأيام جونز لا تحصى ولا تعد. ثم أثبت لها بالأرقام وهو يقرأ بصوت مرتفع وسريع زيادة في مخزون الشوفان والعشب واللفت أكثر مما كان لديها من قبل، وأشار في معرض حديثه إلى انخفاض ساعات العمل الآن، وذكرها أن مياه الشرب الآن أفضل ومتوسط أعمارها أطول. صدَّقَتْ الحيوانات كل كلمة تفوه بها سكويلر! والحقيقة هي أنها لم تعد تتذكَّرحقبة جونز أو بالكاد تتذكر شيئا عنها. وهي تعلم أن الحياة ربما تبدو قاسية وشاقة الآن، فهي غالباً جائعة وتشعر بالبرد وتمضي وقتها أما في العمل وإما نائمة، إلا أنه لا مجال للشك، مهما تدنى مستوى معيشتها، أن الحياة كانت أسوأ في الماضي، وكانت علاوة على ذلك أقِنَّة في حين هي الآن حـرة.. وهنا يتجلى الفرق، وهذا ما لم يغفل سكويلر ذكره.

* * *
أُعلن بعد شراء القرميد والخشب أن الخنازير تعتزم بناء حجرة للدرس في حديقة بيت المزرعة. وإلى أن يكتمل البناء سيتولى نابولين نفسه تدريس الخنازير اليافعة في المطبخ. كما خصص لها جانبا من حديقة بيت المزرعة لممارسة الرياضة واللعب إلا أنها مُنعت من الاختلاط بصغار الحيوانات الأخرى. وتزامن ذلك مع سن قانون ينص على تنحي الحيوانات الأخرى جانبا عندما تلتقي على الطريق بخنزير، ومنحت الخنازير أيضاً بغض النظر عن درجتها ميزة ربط أشرطة خضراء على ذيولها في أيام الأحـد.

* * *
وعلى الرغم من أن إيراد المحصول كان هذا العام وافرا، إلا أن المزرعة ما تزال تعاني نقصاً في الأموال اللازمة لشراء مزيد من القرميد والجير لبناء حجرة الدرس. وكان لا بد من ادخار ما يكفي من مال لتوفير آلات تشغيل طاحونة الهواء، فضلاً عن شراء مؤنة الحيوانات ولوازم المزرعة. زد على ذلك زيت الإضاءة لإنارة بيت المزرعة، وتوفير السكر الذي يتناوله نابولين من دون سائر الخنازير بعد أن منعها عن تناول السكر تفاديا لزيادة وزنها! وفي شهر فبراير جرى، مرة أخرى، تخفيض حصص الطعام التي لم يمضِ شهران على آخر تخفيض لها، ومنع استعمال الفوانيس في الحظائر بهدف توفير زيت الإضاءة. بيد أن برنامج ترشيد الأرزاق هذا لم يطل الخنازير التي كانت تعيش في الواقع حياة ترف ورخاء وانعكس ذلك على زيادة وزنها.

* * *
في مساء أحد أيام أواخر شهر فبراير فاحت من غرفة التخمير الملحقة بالمطبخ التي أهملت منذ رحيل جونز رائحة شهية ساخنة لم تشم الحيوانات مثلها من قبل. وقال أحدهم إنها رائحة طبيخ الشعير، فأخذت الحيوانات تشم الهواء جوعاً ويسَأَل بعضُها بعضاً إن كان يُعد لها هريس ساخن للعشاء. لكنها نامت تلك الليلة ولم تذق للهريس الساخن طعما. وأعلن نهار الأحد التالي: إنه يتعين من الآن فصاعدا تخصيص الشعير كله للخنازير، وتقرر زرع الشعير في الحقل الواقع خلف بستان الفاكهة. وسرعان ما تسرب خبر مفاده أن كل خنزير يتلقى حصة قدرها ثمن غالون من البيرة يوميا في حين يقدم لنابولين نصف غالون في سلطانية الحساء من نوع "كراون ديربي". ومهما يكن من أمر، فإن الحيوانات وإن كانت تعاني الشدة والكفاف إلا أنها في الواقع تعيش الآن حياة حرة كريمة لم تذقها من قبل.. حياة مليئة بالأناشيد ومزيد من الخطابات والمواكب. فلقد أمر نابولين بتنظيم مسيرة عفوية أسبوعياً تهدف إلى الاحتفال بنضال وانتصارات مزرعة الحيوان. ففي الموعد المحدد، تتوقف الحيوانات عن العمل وتنتظم في موكب عسكري يدور حول سياج المزرعة تتقدمها الخنازير ثم تتبعها الخيول فالبقر، وبعدها تسير الماعز فالطيور. وتحيط الكلاب بجانبي الموكب الذي يتقدمه دائما الديك المطري! وكان من عادة بوكسر وكلوفر في هذه المسيرة حمل راية خضراء رسم عليها شعار الحافر والقرن إضافة إلى عبارة "يحيا الرفيق نابولين". وفي ختام الموكب تلقى قصائد إطراء ومديح للقائد نابولين، ثم يخطب فيهم سكويلر شارحا، على وجه الخصوص، زيادة الإنتاج التي تحققت مؤخراً في المواد الغذائية، ويطلق الرصاص في نهاية بعض المناسبات. وعلى الرغم من تذمر بعض الحيوانات، بعيداً عن مسامع الخنازير والكلاب، إلا أن معظمها يستمتع بهذه الاحتفالات ويُعدها تعبيرا حقيقيا عن الحرية والسيادة، وتنسى الحيوانات، ولو لبعض الوقت، أن بطونها خاوية وأرزاقها شحيحة. وفي شهر "أبريل" أُعلنت مزرعة الحيوان جمهورية. وكان من الطبيعي ان يجري اختيار رئيسا لهذه الجمهورية، فاُنتخب نابولين رئيس بالاجماع ومن دون منازع.
* * *
في منتصف الصيف، ظهر في المزرعة فجأة الغراب موسيس بعد غياب طال بضع سنوات. لم يتغير حال الغراب تماماً، فهو لا يزال كسولا، ويتحدث بنفس الحماس السابق عن جبل حلوى السكر. كان يجثم فوق غطن شجرة فاردا جناحيه الأسودين ويتحدث لكل أذن تسمع: "هناك يا رفاق". يقول ذلك بصوت جهوري، وهو يشير إلى السماء بمنقاره الكبير:ـ هناك على الجانب الآخر من تلك السحب السوداء التي يمكنكم رؤيتها يقع جبل حلوى السكر. في تلك البلاد السعيدة ينبغي لنا نحن الحيوانات المعذبة أن ننشد الخلود السرمدي من معاناة العمل! وأدعى الغراب أنه ذهب الى هناك وراء بينما كان محلقا في العلى قطع السكر التي تنمو على أسياج الحقول الخضراء. "أفليس من الحق والعدل وجود حياة أخرى أفضل في مكان ما من هذا العالم؟" هكذا كانت بعض الحيوانات تتساءل وهي تصغي اليه وتصدق حديثه، وتبرر اقتناعها بصواب أفكاره. فحياتها الآن ليست سوى سلسلة من الجوع والشقاء. بيد أن موقف الخنازير من نبوءة الغراب موسيس بجبل حلوى السكر وما حمله الى الحيوانات من بُشْرَى اكتنفه الغموض، فهي تُجْمع على تكذيب روايته، لكنها في الوقت نفسه تسمح له بالبقاء في المزرعة من دون عمل وتخصص له كأساً من البيرة يوميا.
* * *
ما كاد جرح حافره يُشفى حتى انغمس بوكسر في العمل وبذل جهدا أكبر وكأنه لم يعمل من قبل. وفي الواقع عملت الحيوانات كافة، هذا العام، كالعبيد. فإلى جانب أعمال المزرعة المعتادة وإعادة بناء الطاحونة، كانت هناك غرفة الدراسة التي أقيمت للخنازير الصغيرة التي بدأ العمل في بنائها في شهر مارس. وعلى الرغم من ساعات العمل الطويلة والطعام القليل إلا أن عزيمة بوكسر لم يصبها الوهن، ولا كان فيما يفعله أو يقوله ما يشير إلى ذبول حيويته، فقد واصل العمل دون كلل أو ملل، وإن تغير مظهره قليلاً إذ خبا لمعان جلده وانكمش فخذاه. وعلقت بعض الحيوانات على ذلك قائلة إن بوكسر سيتعافى عندما يأتي الربيع وينمو العشب؛ لكن لا الربيع غير من حالة شيئاً ولا العشب حسن حالته الصحية. بل أنها ازدادت سوءاً. وكان إذا صعد إلى مقلع الحجارة وهو يئن تحت وطأة حمل صخرة ثقيلة يبدو وكأن لا شيء يبقيه واقفا على رجليه غير الإصرار وإرادة الاستمرار. وفي هذه الأحايين كانت شفتاه على وشك النطق بعبارته الشهيرة "سأعمل بجهد أكبر" لكن صوته يحتبس ويعجز لسانه عن النطق بها.وفي وقت متأخر من مساء أحد أيام الصيف، سرت إشاعة مفاجأة في المزرعة بحدوث مكروه لبوكسر، ولكن سرعان ما تبين أن ما دار من حديث لم يكن إشاعة وحسب، فقد اتضح أن بوكسر خرج وحيداً لجمع وسحب حمل من الحجارة إلى الطاحونة، وبعد بضع دقائق عادت حمامتان بالخبر: لقد سقط بوكسر.. وهو يرقد على جانبه ولا يقوى على الحركة!! هرع نصف الحيوانات تقريباً إلى الرابية حيث تبنى الطاحونة، فوجدت بوكسر مطروحاً على وجهه بين قضبان عربة النقل "كارة"، وكان عنقه ممتدا..ً لا يقوى حتى على رفع رأسه، وعيناه تلمعان والعرق يتصبب من جسده، والدم يسيل في خيط رفيع من فمه. وقعت كلوفر على ركبتيها إلى جانبه، وصاحت وسألته: ـ كيف حالك يا بوكسر؟ فرد عليها بصوت ضعيف: ـ إنها رئتيَّ، لا عليك. اعتقد أنه باستطاعتكم الانتهاء من بناء الطاحونة من دوني، فهناك ما يكفي من الحجارة. ولم يبق لي، على أية حال، سوى شهر آخر قبل بلوغي سن التقاعد الذي اتطلع إليه بلهفة.. لاسيما أن بنجامين هو الآخر يقترب من سن التقاعـد. وأعتقد أنهم سيسمحون له بالتقاعـد في نفس الوقت ليكون رفيقاً لي.وعندما طلبت كلوفر من أحدهم الذهاب فورا لاطلاع سكويلر بما حدث، هرعت الحيوانات كافة إلى بيت المزرعة لنقل خبر إصابة بوكسر. وحدها كلوفر ظلت بجانبه في حين وقف بنجامين على رأسه يهش الذباب عن وجـه من دون أن ينطق بكلمة. وبعد ربع ساعـة ظهر سكويلر معبرا عن كامل تعاطفه واهتمامه، وقال إن الرفيق نابولين تلقى خبر وقوع مكروه لأحد أخلص العمال في المزرعة بأسى عميق، وإنه يجري اتصالات لترتيب نقل بوكسر وعلاجه في المستشفى بمدينة ويلينجدون. شعرت الحيوانات بشيء من القلق، وأبدت انزعاجاً من فكرة نقل بوكسر إلى خارج المزرعة. فباستثناء مولى وسنوبول، لم يغادر المزرعة أحد من الحيوانات قط، ولم ترقْ لها فكرة وجود رفيق مرض تحت رحمة بني البشر، لكن سكويلر أقنعها بيسر أن الطبيب البيطري في ويلينجدون سوف يعالج حالة بوكسر بشكل أفضل مما يمكن عمله له في المزرعة. وبعد مضي نصف ساعة تقريباً، استعاد بوكسر شيئا من عافيته، فوقف بصعوبة على قوائمه، واستطاع المشي عرجا إلى مرقده في الحظيرة حيث أعدت له كلوفر وبنجامين فراشا مريحا من القش. وطوال اليومين التالين ظل بوكسر طريح الفراش، ولم يأتِ خلالهما أحد لعلاجه. وكانت كلوفر وبنجامين يمضيان المساء بعد ساعات العمل إلى جانبه يرعيانه ويتحدثان إليه. وفي ظهر اليوم الثالث وصلت إلى المزرعة عربة لنقل بوكسر. كانت الحيوانات كافة تعمل في اقتلاع الأعشاب الضارة تحت إشراف احد الخنازير عندما تفاجأت ببنجامين يعدو مسرعا نحوها من ناحية مباني المزرعة وهو يصرخ بعلو صوته: ـ أسرعوا أسرعوا! تعالوا حالا! أنهم يأخذون بوكسر بعيداً.ومن دون انتظار إذن الخنزير المشرف على العمل، توقفت الحيوانات عن العمل وتدافعت مسرعة باتجاه مباني المزرعة. ثم أنه تأكد لها الخبر حين رأت الحيوانات وسط الساحة عربة كبيرة مقفلة يجرها حصانان وعلى جانبها كتبت بعض الكلمات.. فيما جلـس على مقعد السائق رجل خبيث المظهر يعتمر قبعة سوداء، وكان مربض بوكسر خالياً.تجمعت الحيوانات حول العربة، وبينما كانت تودع بوكسر بكثير من الدموع وقليل من الكلمات، صرخ بنجامين في وجوهها وهو يضرب الارض بحوافره الصغيرة:ـ أغبياء! أغبياء! ألا ترون ماذا كُتب على جانب العربة؟". وحينئذ صمتت الحيوانات ثم ساد الهدوء عندما بدأت موريل تهجئة الكلمات المكتوبة على جانب العربة ببطء وصعوبة، لكن بنجامين لم يمهلها وقتاً إذ دفعها جانباً وقرأ وسط ذلك الصمت المطلق: "ألفريد سيموندس، جزار خيول، ويلينجدون". ثم صرخ في وجوه الحيوانات المذهولة: ـ ألا تفهمون معنى ذلك؟ إنهم يأخذون بوكسر إلى المجزرة! دوت صيحات الرعب من أفواه الحيوانات كافة. وفي تلك اللحظة ضرب الرجل الجالس على الصندوق الحصانين بالكرباج؛ فانطلقت العربة مسرعة في الطريق المؤدي إلى الخارج والحيوانات تركض في إثرها وتصرخ باسم بوكسر بأعلى الأصواتت، وشقت كلوفر طريقها إلى المقدمة وقد استجمعت كل قوتها لحمل جسدها البدين على العدو واللحاق بالعربة المسرعة وهي تصرخ: "بوكسر بوكسر!". في هذه اللحظة فقط، سمع بوكسر الصخب في الخارج فرفع رأسه الأشهب وأطل على الحيوانات من النافذة الصغيرة في مؤخرة العربة، فصاحت كلوفر بصوت مُرَوِّع: "اخرج يا بوكسر اخرج، إنهم يأخذونك إلى حتفك!". وصرخت الحيوانات خلفها بصوت واحد.. تدعو بوكسر للخروج، لكن فات الأوان، فقد انطلقت العربة بسرعة عالية لم تستطع الحيوانات مجاراتها. لم يكن مؤكدا إذا كان بوكسر فهم ما قالته كلوفر، إذ سرعان ما اختفى وجهه من النافذة، لكن الحيوانات سمعت دوي هائل ينبعث من داخل العربة. كان بوكسر يضرب بحوافره جدران العربة محاولاً الخروج منها، لكن وآسفاه.. لقد ولى الزمن الذي كانت ضربات قليلة من حوافه الضخمة ستحيل العربة إلى ما يشبه عيدان ثقاب، فقد تلاشت الضربات بعد قليل وخرجت العربة من البوابة، ولم يشاهد بوكسر مرة ثانية.
* * *
بعد ثلاثة أيام أعلن عن وفاة بوكسر في المستشفى رغم العناية الفائقة التي يحظى بها حصان في مثل سنه، حسب قول سكويلر الذي ادعى أثناء نقل النبأ أنه كان إلى جانبه خلال ساعاته الأخيرة، وقال:ـ لقد كانت تلك الساعات من أكثر لحظات حياتي أثراً!".وأضاف، بعد أن رفع حافره ومسح دمعه:ـ كنت إلى جانبه خلال الدقائق الأخيرة من حياته حين رفع رأسه بصعوبة بالغة وهمس في أذني بصوت ضعيف قائلا إن حزنه سيكون عظيما لو أنه فارق الحياة قبل بناء الطاحونة. وتابع سكويلر حديثه بصوت مُتَهَدِّج: ـ لا زالت كلماته الأخيرة تتردد في أذني: "إلى الأمام يا رفاق! باسم الثورة إلى الأمام.. تحيا مزرعة الحيوان ويحيا الرفيق نابولين، ونابولين دائماً على حق".ثم ان سلوك سكويلر تغير فجأة.. صمت برهة ولوح عينيه الصغيرتين من جانب إلى آخر بنظرات ملؤها الشك والريبه قبل أن يواصل حديثه: ـ لقد آل إلى مسمعي انتشار شائعة مغرضة وسخيفة أثناء نقل بوكسر، بعد أن لاحظت بعض الحيوانات عبارة "مجزرة الخيول" على الشاحنة التي نقلته إلى المستشفى، فتبادر إلى أذهان بعضها أن بوكسر أخذ إلى المسلخ.

"
لا أصدق أن تكون بعض الحيوانات بهذه الدرجة من الغباء". وصاح ساخطا وهو يحرك ذيله بخفة وسرعة ويقفز من جانب لآخر:ـ من المؤكد أنها تعرف قائدها المحبوب الرفيق نابولين، بأفضل من ذلك؟ ومضى موضحا:ـ ومهما يكن من أمر، هناك توضيح غاية في السهولة. فالعربة كانت ملك صاحب مسلخ حيوانات قبل أن يشتريها طبيب المستشفى البيطري الذي تأنى في شطب اسم المسلخ من على العربة. ولعل هذا هو ما التبس على بعضكم وذهب بظنونكم مذهباً بعيداً. شعرت الحيوانات براحة تامة عقب سماع ذلك، وتلاشت آخر ظنونها عندما استطرد سكويلر في تقديم مزيد من التفاصيل عن الساعات الأخير في حياة بوكسر، والرعاية الطبية والعلاج المُرَكَّز الذي لم يتردد الرفيق نابولين في دفع تكاليفه الباهظة، وخفت وطأت الحزن بعد أن عرفت الحيوانات أن بوكسر، في الأقل، فارق الحياة سعيداً.حضر نابولين بذاته اجتماع صباح الأحد التالي وألقى كلمة مقتضبة في ذكر بوكسر. وأشار إلى أنه لم يكن ممكنا إحضار رفاة الرفيق الراحل لدفنه في المزرعة، لكنه أمر بإرسال إكليل كبير من زهور حديقة بيت المزرعة لوضعه على قبر بوكسر. وأنهى نابولين خطبته مذكرا الحيوانات بحكمتي بوكسر المفضلتين: "سأعمل بجهد أكبر" و"الرفيق نابولين دائما على حق". ثم طالب الحيوانات الاقتداء برفيقها الموتفى وتبني الحكمتين اللتين تعبران عن التفاني والإخلاص لمبادئ ثورة الحيوان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق