مزرعة الحيوانات الجزء الثامن
الفصل الثامن
بعد بضعة أيام، وقد خفت مشاعر الهلع والرعب الذي أثارته الإعدامات في أنفس الحيوانات، تذكر بعضها ـ أو بدا لها كذلك ـ أن الوصية السادسة تحظر قتل حيوان على يد حيوان آخر مثله. وعلى الرغم من أن أحد لم يجرؤْ على ذكر ذلك على مرأى ومسمع الخنازير والكلاب، إلا أن الحيوانات كانت تعلم أن الإعدام، من حيث المبدأ، مخالفا لما جاء في الوصايا السبع.
وخارج الحظيرة الكبيرة، وقفت الحيوانات تنظر الى الجدار حيث كتبت الوصايا السبع، وطلبت كلوفر من بنجامين قراءة الوصية السادسة، لكن رفض كعادته بحجة أنه لا يتدخل في أمور لا تعنيه، فسألت موريل. قرأت موريل الوصية لها: "يحظر على حيوان قتل حيوان آخر من دون سبب". وهكذا تبين لها أن الكلمتين الأخيرتين سقطتا من ذاكرتها، واتضح الآن أن الوصية لم تُخرقْ لأن ثمة سبباً وجيهاً لقتل الخونة الذين تآمروا مع سنوبول.
* * *كان عمل الحيوانات خلال ذلك العام أكثر مشقة مقارنة بالسنة الماضية حيث أن إعادة بناء الطاحونة والانتهاء منها في الوقت المحدد اتسم بصعوبة بالغة .. لاسيما وقد تضاعف سمك جدارها، هذا فضلا عن أعمال المزرعة المعتادة.
وعلى الرغم من ساعات العمل الطويلة، إلا أن الحيوانات كانت تشعر أن حصصها من الطعام لم تعد أفضل مما كانت عليه أيام جونز. ومع ذلك كان سنوبول يقرأ عليها كل يوم أحدث قائمة بأرقام تُثبت أن الإنتاج في كل صنف من أصناف الأغذية ارتفع بنسبة 200 أو 300 أو 500 بالمائة حسب مقتضى الحال. ولم يكن ثمة ما يدعو الحيوانات للشك في صحة الأرقام لاسيما وأنها لم تعد تذكر بوضوح مستويات الإنتاج وحقيقة الأوضاع قبل الثورة.
* * *أصبح نابولين قليل الظهور الآن، ولم يعد يشاهد إلا مرة كل أسبوعين. وإذا خرج على الحيوانات فإنه لا يخرج بصحبة الكلاب وحسب وإنما يتقدمه ديك أسود يؤدي دور"المطري".. يطلق صيحة حادة تمجيداً للقائد الهمام قبل أن يصعد نابولين إِلَى المنصة.
وأشيع أنه عزل نفسه عن بقية الخنازير، داخل بيت المزرعة، وأخذ يتناول طعامه بمفرده بعد أن اتخذ لنفسه جناحاً خاصاً، ويقوم على خدمته اثنان من الكلاب. كما أعلن أن البندقية سوف تطلق كل عام لمناسبة عيد ميلاد نابولين إلى جانب المناسبتين السنويتين الأخريين.
ولم يعد يشار إلى نابولين الآن باسمه مجردا، فقد كان يُبَجَّلَُ دائماً بلقب رسمي مثل "قائدنا العظيم الرفيق نابولين". وكانت الخنازير مغرمة باختراع ألقاب مثل "والد جميع الحيوانات"، و"مرعب البشر"، و"حامي حظيرة الأغنام"، و"صديق فراخ البط" وسواها من ألقاب. ودأب سكويلر في خطبه على التحدث، والدموع تسيل على خديه عن حكمة نابولين وخصاله الحميدة وحبه الجم للحيوانات كافة.. لاسيما تلك التي لا تزال تعاني الاضطهاد وترزح تحت نير العبودية في المزارع الأخرى.
وأصبح مألوفاً أن تعزى الإنجازات كافة وكل ضربة حظ إلى نابولين. فقد تسمع دجاجة تتحدث لدجاجة أخرى قائلة: "لقد وضعت بفضل إرشادات قائدنا الرفيق نابولين خمس بيضات في ستة أيام" أو بقرتين تتبادلان الحديث وهما تشربان من البركة فتقول إحداهما للأخرى:" شكرا للرفيق نابولين ما أعذب هذا الماء".
ولقد اتخذت الخنازير مزيداً من الإجراءات الأمنية لضمان سلامة نابولين إذا تولت أربعة كلاب حراسة سريره خلال الليل.. واحد في كل زاوية. وكلف خنزير يافع يدعى "بينكي" بمهمة تذوق الطعام قبل تقديمه لنابولين لئلا يكون مسموماً.
* * *في غضون ذلك انهمك نابولين عبر وكالة ويمبر في مفاوضات معقده مع فريدريك وبيلكينجتون لبيع كومة الخشب. كان الأول أكثرهما حماساً للحصول عليها لكنه لم يقدم سعرا مناسبا. وفي الوقت نفسه أشيع أن فريدريك ورجاله يخططون لغزو مزرعة الحيوان وتدمير الطاحونة التي أثارت غيرته، فيما لا تزال الأخبار ترد إلى المزرعة بوجود سنوبول مختبئاً في مزرعة بينتشفيلد.
أبدى نابولين أخيراً ميلا لبيع الخشب لبيكلينجتون، كما أعلن أنه بصدد إقامة علاقة منتظمة بهدف مقايضة منتجات معينة بين مزرعة الحيوان وفوكسوود.. الامر الذي عزز العلاقة الشخصية بين الاثنين، وأصبحت ودية تقريباً وإن كان اتصالهما يجري بوسطاة طرف ثالث: ويمبر.
ومع أن الحيوانات لم تثق في بيلكينجتون بوصفه من جنس البشر، إلا أنها تفضله كثيراً على فريدريك الذي تكرهه وتخشاه في الوقت نفسه. فقد وردت الأخبار خلال فصل الصيف أنه يعد لشن هجوم على المزرعة بقوة قوامها عشرون رجلاً مسلحين بالبنادق. وعلاوة على ذلك، تسربت أخبار من مزرعة بينتشفيلد تفيد أن فريدريك يسي معاملة حيواناته ويقسو عليها، وقيل أنه جلد حصانا عجوزا بالسياط حتى نفق، وقتل كلبا حرقا في الفرن، وارتكب أعمالا وحشية أخرى تقشعر لها الأبدان!
هاجت الحيوانات وغلى دمها عندما سمعت بمعاناة رفاقها، وتمنت لو يُسمح لها بالخروج كلها للهجوم على مزرعة بينتشفيلد وطرد جنس البشر منها وتحرير الحيوانات. ولكن سكويلر نصحها بالتريث وتجنب ردود الأفعال المتهورة، ودعاهم إلى طرح ثقتهم في إستراتيجية وبصيرة الرفيق نابولين.
ازداد الشعور بالغضب اتجاه فريدريك وشرح نابولين للحيوانات، عندما اجتمع بها يوم الأحد، أنه لم يفكر قط في بيع الخشب لفريدريك فهو يعتبر التعامل مع وغد مثله دون مستوى كرامته. وفي بادرة حسن نية طُلب من الحمام الذي لا يزال يُرسلُ لنشر أخبار الثورة عدم الاقتراب من مزرعة فوكسوود، وأمرت بتبديل شعارها من "الموت للبشر" إلى "الموت لفريدريك".
* * *بحلول الخريف، وبفضل الجهود الضخمة التي بذلتها الحيوانات، اكتمل العمل في الطاحونة من دون تأخير على الرغم من المصاعب وقلة الخبرة ووسائل العمل البدائية وسوء الحظ ومؤامرات سنوبول. اكتمل إنشاء الطاحونة على أحسن وجه ولم يبق سوى تركيب الآلات التي ما يزال ويمبر يتفاوض لشرائها.
وعلى الرغم من أن بناء الطاحونة كان مرهقا للحيوانات كافة، إلا أن فرحتها بما حققته أنستها كل ما عانته، فأخذت تدور وتدور حول تحفتها التي بدت أكثر جمالا عما كانت عليه عندما أقيمت أول مرة. وعلاوة على ذلك، كانت جدرانها أسمك مرتين عن السابق، فلا شيء غير المتفجرات يستطيع تدميرها!
وعندما تذكرت الحيوانات الجهد الذي بذلته والعقبات التي تخطتها، والتحسن الكبير الذي سيطرأ على حياتها عندما تدور المراوح وتشتغل مولدات الكهرباء، أخذت تقفز حول الطاحونة، وتطلق صيحات النصر ابتهاجا بما حققته.
نابولين حضر برفقة الكلاب والديك المطري لفحص المبنى، وقدم التهاني شخصيا للحيوانات على ذلك الإنجاز الرائع، وأعلن أن اسم الطاحونة سيكون "طاحونة نابولين".
* * *بعد يومين، استدعيت الحيوانات الى اجتماع خاص عقد في الحظيرة. وصُدمت لهول المفاجئة حين أعلن نابولين أنه باع كومة الخشب لفريدريك، وغدا ستأتي عرباته لنقلها. كانت المزرعة طوال الفترة الماضية تبدو على وفاق مع بيلكينجتون إلا أن نابولين كان في واقع الأمر يجري اتفاقا سريا مع فريدريك.
قطعت العلاقات كلها مع مزرعة فوكسوود، وطُلب من الحمام عدم التعرض لمزرعة بينتشفيلد وتغيير شعارها من "الموت لفريدريك" إلى "الموت لبيلكينجتون". وفي الوقت نفسه أكد نابولين للحيوانات أن أخبار الغزو الوشيك على المزرعة ليست صحيحة، وشكك في صدق القصص التي تروى عن وحشية فريدريك تجاه حيواناته وقال إنها مبالغ فيها، واتهم سنوبول وعملاءه بترويج هذه الإشاعات.
وبدا الآن أن سنوبول لم يكن في الحقيقة مختبئا في مزرعة بينتشفيلد، بل لم يذهب إلى هناك قط طوال حياته، فقد كان يعيش برفاهية وبحبوحة في مزرعة فوكسوود.
ابتهجت الخنازير لحنكة نابولين ودهائه. فبإظهاره المودة لبيلكينجتون أرغم فريدريك على زيادة عرضه لشراء الخشب باثنى عشر جنيها، بيد أن ذكاء نابولين، كما شـرح سكويلر، اتضح في عدم الثقة في أي منهما اذ أراد فريدريك أن يدفع ثمن الخشب بشيء يسمى "شيك"، وهي قطعة ورق تحمل تعهدا بدفع المبلغ، لكن نابولين كان أذكى منه، فأصر على دفع المبلغ نقداً باوراق من فئة الخمسة جنيهات قبل حمل الخشب. وسيستخدم المبلغ الذي دفعه فريدريك لشراء آلات الطاحونة.
عقدت الحيوانات، بعد شحن الخشب، اجتماعا خاصا آخر في الحظيرة لرؤية أوراق النقد التي دفعها فريدريك. جلس نابولين مبتسماً، مستعرضاً أوسمته على سرير من القش نصب خصيصا له على المنصة، وبجانبه صُفت النقود بعناية في صحن صيني أحضر من مطبخ بيت المزرعة في حين وقفت الحيوانات فِي طابور طويل وراحت تتقدم ببطء للوقوف أمام الاوراق.. تحدق فيها بعيون ملؤها الدهشة! بوكسر لم يكتف برؤية النقود بل مد منخريه لشمها، فتطاير الورق الرقيق في مهب نفسه.
بعد ثلاثة أيام من ذلك الاجتماع، سمعت الحيوانات صوتاً يختنق صاحبه غيضاً من سكن نابولين في أعقاب دخول ويمبر المزرعة على دراجته مسرعا، بوجه شاحب كوجوه الأموات، وتوجهه مباشرة إلى بيت المزرعة،. انتشر خبر ما حدث بسرعة كانتشار النار في الهشيم. فقد تبين أن أوراق النقد التي دفعها فريدريك مزيفة.. أي أن فريدريك حصل على الخشب مقابل لا شيء!
اجتمع نابولين بالحيوانات مباشرة، وبصوت كزمجرة الرَّعْد اصدر حكما بالموت على فريدريك، ودعى إلى غليه حيا إذا قبض عليه. وفي الوقت نفسه حذر نابولين الحيوانات، عقب هذه الخيانة، بأن تتوقع الاسوأ فقد يشن فريدريك ورجاله في أي لحظة هجومهم الذي طال انتظاره. وأمر بوضع دوريات حراسة في مداخل المزرعة كافة. كما أرسلت أربع حمامات إلى مزرعة فوكسوود تحمل رسائل استرضاء على أمل إعادة العلاقات الطبية مع بيلكينجتون.
* * *لم يدم ترقب الحيوانات وانتظارها طويلاً، فقد وقع الهجوم في اليوم التالي: فبينما كانت الحيوانات تتناول الإفطار، جاء المكلف بالمراقبة مسرعاً بنبأ دخول فريدريك ورجاله المزرعة من البوابة الكبيرة. وبشكل عفوي اندفعت الحيوانات مسرعة لصد الغزاة، إلا أنها هذه المرة لم تحقق النصر السهل الذي أحرزته في معركة حظيرة البقر. كان عدد المهاجمين خمسة عشر رجلاً مسلحين بست بنادق أطلقوا النار منها حالما أصبحوا على بعد خمسين ياردة تقريباً من الحيوانات التي عجزت عن مواجهة الإنفجارات الرهيبة والرصاص المميت.
وعلى الرغم من جهود نابولين وبوكسر لرص الصفوف وتنظيم خط الدفاع، إلا أن الحيوانات تقهقرت إلى الخلف بعد إصابة عدد منها إصابات قاتلة ولجأت إلى مباني المزرعة وراحت تراقب المهاجمين بحذر من شقوق وعجر خشب الجدران.
سقط مرعى الخنازير بما فيه طاحونة الهواء في يد العدو. وبدت الحيوانات ضائعة وبلا حيلة.. حتى نابولين الذي أخذ يذرع المكان جئية وذهابا من دون أن يتفوه بكلمة.
واتجهت الحيوانات بنظرات رجاء وأمل نحو مزرعة فوكسوود. كانت تتمنى لو أن بيلكينجتون ورجاله يهرعون لنجدتها، فلربما استطاعت صد الهجوم وتحقيق النصر في هذه المعركة. بيد أن الأمر جرى على غير ما تشتهيه الحيوانات، ففي اللحظة التي كانت تنتظر النجدة من بيلكينجتون، عاد الحمام الذي أرسل يوم أمس يحمل قصاصة ورق منه كتب عليها بقلم الرصاص "ذاك ما تستحقون".
ظلت الحيوانات تراقب المهاجمين من داخل مبنى المزرعة، وعندما توقف فريدريك ورجاله عند الطاحونة، تقدم رجلان يحملان عتلة ومطرقة ثقيلة ووقفا إلى جانب جدار الطاحونة، وبدا للحيوانات أنهما ينويان تدميرها؛ فسرت في الحظيرة تمتمات فزع شديد. ـ مستحيل! صرخ نابولين، ثم قال: ـ لقد شيدنا جدرانا سميكة لا يستطيعون هدمها في أسبوع كامل. تحلو بالشجاعة يا رفاق!
بنجامين كان يراقب تحرك الرجال بعناية فائقة، وعندما بدأ صاحبا العتلة والمطرقة حفر ثقب قرب قاعدة الطاحونة، هز خَطْمه ببطء، وقال بسخرية: ـ هذا ما كنت أخشاه. ألا ترون ماذا يفعلون؟ سوف يسكبون في الثقب بعد لحظة أخرى مسحوقا متفجرا.
حبست الحيوانات أنفاسها وقد أصابها الرعب، وهي تنتظر سماع دوي الانفجار، وغدا محالا عليها الخروج لاستطلاع الموقف خارج المباني الذي احتمت به. وفي غضون دقائق معدودة شوهد الرجال يركضون في الاتجاهات كافة، ثم سُمع دوى هائل ارتمت على إثره الحيوانات كافة على بطونها وخبأن وجوهها ما عدا نابولين. وحينما وقفت، شاهدت سحابة ضخمة من الدخان تخيم على موقع الطاحونة.. ما لبث أن بَدَّدَها النسيم على مهل، فبدا المكان خاليا وكأن الطاحونة لم تكن موجودة قبل قليل!
وأمام هذا المشهد المروع استعادت الحيوانات شجاعتها، وفارقها الخوف الذي اعتراها قبل لحظات واستحال غضباً عارماً ضد هذا الفعل الخسيس الحقير، وانطلقت صحيات عالية تدعو للانتقام. ومن دون انتظار أوامر اضافية هبت معاً وتدافعت إلى الأمام نحو العدو، ولم تأبه، هذه المرة، للرصاص الذي انهمر عليها كوابل البرد.
وواصلت الحيوانات تقدمهـا على الرغم من استمرار الرجال في اطلاق النار مرة تلو أخرى، وحين أصبحت على مسافة قريبة منهم هرب الرجال من ساحة المعركة وهم يجرون أحذيتهم الثقيلة جرا.
أسفرت المعركة عن موت بقرة واحدة وثلاثة خراف وإوزتين، ولم يخرج حيوان من المعركة إلا وأصيب بجروح على نحو أو آخر.. حتى نابولين الذي كان يقود المعركة من الخلف خدشت رصاصة ذيله.
ولم يخرج الرجال منها سالمين أيضاً، فقد أصيب ثلاثة منهم بكسور في رؤوسهم بضربات حوافر بوكسر القوية، وبُقر بطن أحد المهاجمين، وتعاون جيسي وبلوبيل على تمزيق سروال أحدهم. وحين باغتتهم كلاب الحراسة التسعة الخاصة بنابولين، التي أوعز إليها بالالتفاف حولهم، وهي تنبح بوحشية، تملكهم رعب شديد وشعروا بخطورة الموقف، فدعاهم فريدريك إلى الفرار قبل أن تحاصرهم الحيوانات، التي طاردتهم إلى نهاية الحقل وأشبعتهم بآخر الرفسات وهم يتسلقون السياج طلباً للنجاة.
* * *انتصرت الحيوانات، لكن لم يكن نصرا سهل المنال، ولم يكن من دون ثمن. فقد عادت الحيوانات من أرض المعركة تزحف ببطء نحو المزرعة.. منهكة والدماء تنز من أجسادها.. سال دمع بعضها وهي تشاهد جثث رفاقها وقد تناثرت على الأرض.
وحين توقفت في المكان الذي كانت تنتصب فيه ذات مرة الطاحونة، كان الحزن شديداً؛ فلم يستطع بعضها حبس دمعها. نعم.. لقد اختفت الطاحونة من الوجود وغدت أثرا بعد عين، ولم يبقَ لتعبها أي وجود غير كومة من الصخور والتراب! حتى القاعدة دمرت جزئياً تقريباً.
وحالما اقتربت الحيوانات من مباني المزرعة ظهر لها سكويلر، الذي تخلف عن المعركة من دون تفسير، وهو يثب ويحرك ذيله بسرعة أكثر من المعتاد دليلا على الغبطة والحبور! ثم سمعت الحيوانات دوي اطلاق نار من صوب بيت المزرعة.ـ ما مناسبة إطلاق النار هذا؟ تساءل بوكسر بعد أن رفق رأسه عاليا وحرك أذنيه صوب مصدر إطلاق النار. فرد سكويلر صارخاً: ـ للاحتفال بانتصارنا! وسأل بوكسر والدماء تنزف من ركبه، بعد أن فقد حدوته وشقَّ حافره واستقرت دَزينَة من الرصاص في ساقيه: ـ أي نصـر؟
ورد سكويلر وفي صوته نبرة اندهاش:ـ أي نصر؟.. أي سؤال هذا أيها الرفيق؟!وتساءل مندهشاً: ـ ألم نطرد الإنسان من ترابنا الطاهر.. مزرعة الحيوان؟
ـ ولكنهم دمروا الطاحونة، وقد أمضينا عامين في بنائها.ـ لا يهم! سوف نبني طاحونة أخرى أو ست طاحونات إذا شئنا. وفي صوته نبرة استخفاف، قال بصوت أعلى مما كان:ـ يبدو أنك لا تقدر نصرنا العظيم هذا يا رفيق. لقد كان العدو يحتل هذه البقعة التي نقف عليها الآن، وبفضل قيادة الرفيق نابولين وحنكته العسكرية استعدنا كل شبر منها! ورد بوكسر وهو يهز رأسه مستغربا: ـ نحن استعدنا ما كنا نملك ليس إلا! وقد فتح عينيه على وسعهما، أكد صحة حديثه، قائلا:ـ ذلك هو نصرنا.. ذلك هو نصرنا.
وواصلت الحيوانات مشيها حتى بلغت الساحة. كان بعضها يضلَع، وكان بعضها الآخر يجر جسده جراً، ومنها من كان يئن ألما كلما خطت قدمه خطوة إلى الأمام. وبينما كان بوكسر يتخيل العمل الشاق الذي ينتظره: بناء الطاحونة من الصفر أحس بوخز الرصاص داخل ساقه لكنه ما لبث ان استعاد حماسه المعهود حتى وإن كان خيالا. بيد أنه هذه المرة وعلى خلاف عادته، خطر بباله أنه في سن الحادية عشرة، وأن عضلاته العظيمة ربما لم تعد قوية تماما مثلما كانت عليه ذات يوم.
وبدا للحيوانات وهي تشاهد العلم الأخضر مرفرفاً، وتسمع مزيدا من دوي الرصاص، وتتلقى تهاني نابولين بالنصر أنها فعلاً حققت نصرا كبيرا.. لاسيما أن الاحتفاء بالنصر لم يقتصر على الأحياء فقط، فقد نُظمت جنازة مهيبة للحيوانات التي قُتلت خلال المعركة تقدمها نابولين بنفسه. وأعطيت الحيوانات إجازة لمدة يومين للاحتفال بالنصر، وألقيت الخطب الحماسية، وقدمت تفاحة واحدة هدية لكل حيوان، ومعها أُوقِيَّة ذرة لكل طير وثلاثة أقراص بسكويت لكل كلب.
وأطلق اسم "معركة الطاحونة" على المعركة، وأستحدث نابولين وساما جديدا أطلق عليه اسم "وسام الراية الخضراء" منحه لنفسه. وفي خضم الابتهاج والاحتفال العام بهذا النصر نست الحيوانات قضية أوراق النقود المزورة.
* * *عثرت الخنازير بعد أيام عدة على صندوق خمر "ويسكي" في علية بيت المزرعة. كان الصندوق مهملا ولم تنتبه له الخنازير حينما انتقلت للإقامة في البيت. في وقت متأخر من تلك الليلة سمعت الحيوانات أصوات غناء عاليه اختلط معها شيء من كلمات أنشودة "حيوانات إنجلترا". ثم شوهد نابولين، وكان ذلك في حوالي الساعة التاسعة والنصف، مرتديا قبعة جونز القديمة، وهو يقفز بسرعة حول الساحة، ثم سـرعان ما اختفى داخل البيت مرة ثانية. وفي الصباح خيم صمت شديد على البيت، ولم يُسمعْ لخنزير صوت ولا شوهدت لاحدهم حركة.
كانت الساعة التاسعة صباحا تقريبا عندما أطل سكويلر من بيت المزرعة.. بطيء الخطوات وقد ضعفت قواه: عيناه غائرتان وذيله يتدلى خلفه مترهلا.. وبدا واضحاً أنه مصاب بوعكة صحية. استدعى سكويلر الحيوانات وأنبأها بأنه يحمل خبرا سيئا، وقال: ـ الرفيق نابولين يحتضر!
ارتفعت أصوات النحيب في أرجاء المزرعة وخيم الحزن على المكان والأنفس. والدمع يفيض من المآقي حزناً، تساءلت الحيوانات فيما بينها كيف ستصير حياتها في غياب القائد نابولين. وكان من الطبيعي أن توجه أصابع الاتهام إلى سنوبول، فقد انتشرت إشاعة أنه تمكن في نهاية المطاف من دس السم في طعام نابولين!
وفي الساعة الحادية عشرة خرج سكويلر على الحيوانات مرة ثانية، وأعلن أن نابولين أصدر آخر مرسوم قبل أن يفارق الحياة: قرارا حازما ينص على "عقوبة الإعدام لمن يتناول الخمر".
خبر احتضار القائد لم يدم طويلا، فبحلول المساء تحسنت صحـة نابولين، وفي صباح اليوم التالي خرج سكويلر وأخبر الحيوانات أن نابولين يتماثل للشفاء. وفي مساء اليوم نفسه عاد نابولين لمزاولة أنشطته اليومية المعتادة، وفي اليوم التالي قيل أنه أوعز إلى ويمبر بشراء بعض الكتيبات التي تشرح صناعة البيرة وتقطير الخمر.
وبعد أسبوع أصدر نابليون أمراً بقلب تربة المرعى الصغير خلف جنينة الفاكهة بعد أن فقدت خصوبتها، حيث اتجهت النية إلى تخصيصه للحيوانات المتقاعدة. وسرعان ما انتشر خبراً آخر سريعا يقول بنية نابليون زراعته شعيراً بدل العلف.
* *آ *وفي هذا الاثناء، شهدت المزرعة حادثا غريبا لم يتسن لأحد تفسيره. ففي إحدى الليالي ـ حوالي الساعة الحادية عشرة مساء ـ سمعت الحيوانات صوتا مدويا في الساحة فخرجت تستطلع الأمر. وفي ضوء البدر وجدت الحيوانات تحت جدار الحظيرة الكبيرة، حيث كتبت الوصايا السبع، سلما انشطر إلى جزئين وأسفله استلقى سكويلر على ظهره خائفاً وبجانبه فانوس مقلوب وفرشاة وعبوة صبغ أبيض مسكوب على الأرض. وحالما تمكن سكويلر من الوقوف ومشي، وكان يتعثر في مشيته، طوقته الكلاب ورافقته إلى بيت المزرعة، ولم يتفوه بكلمة للحيوانات التي جاءت تستطلع الأمر!
عجزت الحيوانات عن إدراك سر ما يجري سوى العجوز بنجامين الذي هز رأسه دلالة على فهم ما حدث، لكنه، وكعادته دائما، لم ينطق بكلمة ولم يفصح عما استنتجه!
وبعد بضعة أيام لاحظت العنزة موريل، حين كانت تقرأ الوصايا السبع، أن هناك وصية أخرى أيضاً يبدو أن الحيوانات حفظت فحواها بطريقة خاطئة. فقد اعتقدت أن الوصية الخامسة تقضي بأنه "يحظر على الحيوانات شرب الخمر" بيد أن هناك كلمتين لا تتذكر الحيوانات وجودهما. فالوصية في الواقع تُقرأ على النحو التالي: "يحظر على الحيوانات الإسراف في شرب الخمر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق