الأحد، 27 مارس 2011

الفصل السادس من رواية مزرعة الحيوانات

الفصل السادس من رواية مزرعة الحيوانات
الفصل السادس

بذلت الحيوانات خلال العام الذي انقضى جهدا عظيما
وشاقاً واشتغلت كالعبيد، لكنها كانت سعيدة بعملها، فلم تأسف لعطاء أو تضحية. كانت تعلم أن مردود عملها سيكون لها وسيعود بالفائدة للأجيال القادمة من بعدها، وليس لإشباع رغبات إنسان كسول لا عمل له سوى قطف ثمار كدها
!

ومع أن متوسط العمل
الأسبوعي ارتفع إلى ستين ساعة أسبوعيا، إلا أن نابولين طلب من الحيوانات، في شهر أغسطس، العمل بعد ظهر أيام الآحاد تطوعاً، وحذر من أنه سيصار إلى خفض حصة طعام من يعفي نفسه من ذلك العمل إلى النصف. هذا الإجراء لم يحقق الغرض منه، ومع ذلك كان من الأهمية بمكان التوقف عن مواصلة بعض أعمال المزرعة على الرغم من أن انتاج حصاد الموسم كان دون مستوى غلة العام الماضي. وغدا من السهل تكهن الحيوانات كافة بحجم المتاعب التي ستواجهها خلال الشتاء القادم.
***
بعد اتخاذ قرار بناء
الطاحونة، واجهت الحيوانات مصاعب غير متوقعة. فرغم وجود مقلع حديد للحجر الجيري في المزرعة، وتوفر الرمل والإسمنت في أحد المخازن الخارجية، إلا أن قطع الصخور إلى أحجام مناسبة للبناء شكلت، في البداية، صعوبة استعصت على الحل.

فجميع
المعدات الموجودة هي للاستعمال الآدمي، واستخدام العتلة والمثقاب يستدعي وقوف من يستخدمهما على رجليه الخلفيتين. وبعد أسبوع من المحاولات توصل أحدهم إلى فكرة مناسبة تقوم على الاستفادة من قوة الجاذبية الأرضية؛ فجرى بناء محجر على سفح أحد التلال لتكسير الصخور.

تفاوت عمل الحيوانات كل حسب طاقته، ولكنها اشتركت
جميعها في عملية سحب الصخور الكبيرة إلى أعلى التلـة وإسقاطها ليرتطم بعضها ببعض ويتكسر إلى قطع صغيرة تستطيع الحيوانات حملها إلى موقع بناء الطاحونة. وما كاد الصيف ينتهي حتى تجمعت كمية كافية من الصخور وبدأ البناء تحت إشراف الخنازير.

كانت تلك الطريقة بطيئة ومضنية للعمل، فكثير ما كان يستغرق سحب
صخرة واحدة إلى المحجر يوماً كاملاً من العمل الشاق، وأحياناً كانت لا تنكسر بعد إسقاطها من حافة المحجر. ولولا قوة بوكسر التي تكاد تساوي قوة بقية الحيوانات مجتمعة ما تحقق شيء يذكر.

كانت كلوفر تحذره، بل وتتوسل إليه ألا يلحق الأذى
بنفسه بسبب ما كان يضع على عاتقه من عمل، لكنه لم يكن يصغي إلى تحذيرها ولم يعر توسلاتها اهتماماً. ويبدو أن حكمته "سأعمل بجهد أكبر" وشعاره "نابولين دائما على حق" هما الجواب الشافي لكل ما كان يعتري حياتهم من مصاعب.

وعلى الرغم من ان
العمل المضني والإضافي الذي بذلته الحيوانات طوال فصل الصيف، إلا أن وضعها لم يكن أسوأ مما كان عليه، وكان الإحساس بأن كدها لم يعد يذهب لإطعام خمسة أفواه بشرية عظيما ولا يقابله شيءٌ!
***
وبمرور الصيف نفدت مؤن عديدة: كزيت الإضاءة
والمسامير وبسكويت الكلاب وأحذية الخيول.. وكلها مواد لا يمكن إنتاجها في المزرعة.. فضلا عن حاجة المزرعة في المستقبل للبذور والسماد المصنع والعديد من المعدات إلى جانب آلات الطاحونة.

كيف سَتُوفر هذه المعدات والمؤن؟ لا أحد يعلم ذلك، لكن
نابليون أعلن أثناء اجتماع يوم الأحد أنه قرر اعتماد سياسة جديدة: فاعتباراً من الآن فصاعدا ستدخل المزرعة في تبادل تجاري مع المزارع المجاورة. "ليس لأي غرض تجاري" برر نابولين دواعي ذلك القرار "وإنما لمجرد توفير مواد ضرورية.. والمزرعة بأشد الحاجة إليها. وأكد ذلك قائلا: "إن متطلبات الطاحونة تأتي فوق كل اعتبار".

لقد كان نابولين يعد لبيع كمية من العلف وجزء من المحصول الحالي للشعير
. وإذا استدعت الحاجة، لاحقا، لمزيد من المال سيباع البيض. خاصة أنه من المواد الغذائية المطلوبة دائماً في ولينجتون، وذكَّّرَ الدجاجات أن عليها الترحيب بتلك التضحية باعتبارها مساهمة منها في بناء طاحونة الهواء".

ومرة أخرى، أبدت
الحيوانات امتعاضاً بسبب غموض الأمر. "لا تعامل مع الإنسان، لا تعامل بالتجارة، لا تعامل بالمال" أليست هذه أولى قرارات الثورة بعد طرد جونز؟ أجل.. فالحيوانات جميعها تتذكر هذه اللاءات أو تعتقد في الأقل أنها تتذكرها!

رفعت الخنازير اليافعة
التي اعترضت في الماضي على إلغاء الاجتماعات أصواتها محتجة، لكنها سرعان ما سكتت حين زمجرت الكلاب المحيطة بنابولين وأرغمتها على الجلوس. وكعادتها أخذت الخراف تهتف "الخير في ذوات السيقان الأربعة والشر في ذوات الساقين". وواصل نابولين حديثه بعد أن رفع حافره طالبا منها السكوت:"إن هذا لا يستدعي الاتصال بالإنسان. فقد وافق محام يدعى "ويمبر" على التوسط بين المزرعة والعالم الخارجي حيث سيزور المزرعة صباح كل يوم اثنين لتسلم التوجيهات". ثم ختم خطابه بصيحته المعتادة: "تعيش مزرعة الحيوان". وبعد التغني بـ"حيوانات إنجلترا" انصرفت الحيوانات إلى مرابضها.

وبعد
الاجتماع قام سكويلر بجولته المعتادة لإقناع الحيوانات بصواب رأي نابولين، وألمح في حديثه إلى أن القرار الذي يحرم العلاقات التجارية مع الإنسان لا وجود له أصلاً وإنما هو مجرد أكاذيب من صنع خيال سنوبول.
***
في غضون ذلك، نقلت الخنازير
فجأة مقر إقامتها إلى بيت المزرعة (مسكن جونز سابقاً)، وأُرسل سكويلر لإقناع الحيوانات، التي أبدت مرة أخرى استياءها، بأنَ الضرورة تحتم إقامة الخنازير، وهي العقل المدبر للمزرعة، في مكان هادئ للعمل. وليس ثمة مكان يليق بمقام "القائد" ويحفظ له كرامته أفضل من بيت المزرعة بدلاً من الزريبة القذرة التي كان يعيش فيها مع بقية الخنازير!

لوحظ في الآونة الاخيرة أن سكويلر بدأ يطلق لقب "القائد
" على نابولين.

وبعد أيام آل إلى مسامع الحيوانات أن الخنازير تأكل طعامها في
المطبخ وتستعمل غرف الجلوس للترفيه وأخذت تنام على الأسرة. مر الخبر على بوكسر وهو في غمرة ترديد شعاره المعهود "نابولين دائماً على حق" في حين توقفت كلوفر عن العمل حين سمعت الخبر وغشاها الذهول.. جلست تسترجع ذاكرتها إلى الأيام الأولى للثورة. أجل، إنها تتذكر قانوناً صريحاً يحظر على الحيوانات النوم على الأسرة.

ولتطمئن نفسها ذهبت إلى طرف الحظيرة لقراءة الوصايا السبع المكتوبة على
الجدار, ولكن تعذر عليها قراءة أكثر من حروف منفردة، فعادت تبحث عن موريل، واصطحبتها الى حيث كتبت الوصايا، وطلبت منها قراءة الوصية الرابعة:
ـ ماذا تقول
الوصية، ألا تحرم النوم على الأسرة؟!
وبصعوبة قرأت موريل الوصية: "يحظر على
الحيوان النوم على سرير تفرش عليها أغطية".
يا للعجب! كلوفر لا تتذكر أن الوصية
الرابعة تضمنت شيئا عن الأغطية، ولكنها موجودة على الحائط. فلِمَ العجب إذن!

وقد استطاع سكويلر، الذي صادف مروره من هناك يرافقه كلبان أو ثلاثة كلاب،
توضيح المسألة ووضعها في نصابها الصحيح إذ قال:
ـ لعلكم سمعتم يا رفاق أننا معشر
الخنازير ننام على أسرة بيت المزرعة؟
وفي صوته نبرة استنكار تساءل
:
ـ ولِمَ
لا؟ هل اعتقدتم أن ثمة قانون يحرم النوم على الأسرة؟
وأخذ يحرك رأسه من جانب
لآخر قبل أن يوضح ما التبس على الحيوانات:
ـ كلا يا رفاق كلا.. فالسرير ليس سوى
مكان للنوم. كومة القش في الإسطبل يمكن اعتبارها سرير، وعارضة الخشب للدجاج هي بمثابة سرير، والقانون ليس ضد الأسرة وإنما ضد الأغطية التي هي بدعة بشرية.

واستردك وهو يبتسم
:
ـ لقد أزلنا الأغطية عن الأسرة وننام الآن بين
البطانيات. لا شك أن الأسرة مريحة للغاية، ولكنها ليست الراحة التي تزيد عن حاجتنا، فعملنا الفكري يتطلب قدراً من الراحة، ولا أعتقد أنكم تعترضون على توفيرها لنا. فنحن الخنازير إن تعبنا لن نتمكن من أداء مهمتنا على أكمل وجه! ولا أعتقد أن أحد منكم يرغب في عودة جونز؟
وسأل وهو يتفحص بعينيه اللامعتين الوجوه أمامه
:
ـ
أليس هذا صحيحاً يا رفاق؟
أما وقد بدا الأمر على هذه الصور، فقد أبدت الحيوانات
لسكويلر مباشرة موافقتها على هذه النقطة، ولم يأتِ أحد على مسألة نوم الخنازير على الأسرة مرة أخرى. وعندما أعلن، عصر أحد الأيام، أن الخنازير سوف تستيقظ في الصباح متأخرة ساعة واحدة عن بقية الحيوانات لم يعترض أحد على ذلك أيضاً.
***
حل
شهر نوفمبر ومعه جاءت رياح جنوبية عاتية، فاضطرت الحيوانات إلى وقف أعمال البناء بسبب رطوبة الأرض واستحالة خلط الأسمنت. وفي إحدى الليالي بلغت قوة الرياح أشدها، فاهتزت لها مباني المزرعة حتى تطايرت بعض قطع قراميد من أسقفها. وعندما خرجت الحيوانات من مرابضها في صباح اليوم التالي، شاهدت سارية العلم محطمة على الأرض قطعاً، وشجرة البق في طرف البستان وقد اُقتلعت من جذورها كنبات الفجل. وفي هذه اللحظة بالذات، أطلقت حناجر الحيوانات صيحات يأس بصوت واحد من هول ما رأته، فقد أتت الريح على الطاحونة وسوت بها الأرض، وغدت أثرا بعد عين.

هرعت الحيوانات إلى
موقع الطاحونة وعلى رأسها نابولين، الذي قلما كان يمشي مسرعاً، ووقفت حزينة مذهولة أمام الخسارة الفادحة غير قادرة على النطق والتفكير. فها هو شقاؤها وثمرة جهدها تذهب في مهب الريح، وها هي الصخور التي قاست الويل من أجل تكسيرها ونقلها قد تبعثرت في أرجاء المكان كله.

نابولين وحده كان يتحرك.. يذرع المكان جيئة وذهابا،
وينفخ الأرض بين الحين والآخر وكان ذيله منتصبا في إشارة إلى أنه في حالة نشاط ذهني حاد، ثم توقف فجأة، وكان شيءٌ ما قد تمخض عن ذلك التفكير.
ـ أيها الرفاق
..
قال بهدوء
..
ـ هل تعلمون من المسؤول عن هذا؟ هل تعلمون من العدو الذي جاء
ليلاً ودمر طاحونة الهواء؟
وتوقف عن ذرع المكان طولا وعرضا، ورفع خَطْمه عن
الأرض الرطبة، وهدر بصوت كالرعد، قبل أن يقول:
ـ إنه سنوبول! ولا أحد سواه.. فعل
ذلك بدافع الحقد والانتقام، فقد تسلل تحت جنح الظلام ودمر جهد سنة كاملة بغية إعاقة خططنا وعرقلة سير تقدمنا.

وبعد قليل
:
ـ أيها الرفاق لقد ارتكب سنوبول
خيانة عظمى بحق بني جنسه، وإني أعلن من هذا المكان عقوبة الإعدام بحق هذا الخائن، ومكافأة وسام الحيوان من الدرجة الثانية، ونصف بوشل من التفاح لمن يحضره أمام العدالة، وبوشلا كامل لمن يلقي القبض عليه حياً.

سرت بين الحيوانات صيحات
السخط والغضب، وبدأ كل واحد منها يفكر في طريقة للقبض على سنوبول. وبعد ذلك مباشرة اكتشفت آثار أقدام خنزير على العشب بقرب الهضبة الصغيرة، فاقتفتها الحيوانات لبضع خطوات حتى اختفت في جحر داخل جنينة من الشجيرات الكثة. شم نابولين الآثار وأعلن أنها تخص سنوبول. وقال أنه ربما جاء من ناحية مزرعة فوكسوود.
ـ لا داعي للتأخير
أكثر مما ينبغي لاً يا رفاق.
قال نابولين عندما انتهى من فحص آثار أقدام
سنوبول، وأضاف:
ـ أمامنا عمل علينا إنجازه على أكمل وجه وفي أسرع وقت ممكن
: سنبدأ هذا الصباح بإعادة بناء الطاحونة، وسوف نستمر بالعمل طوال الشتاء.. سواء كان الطقس ممطراً أم مشمساً. إلى الأمام يا رفاق، فلتحيا الطاحونة ولتحيا مزرعة الحيوان، وليعرف هذا الخائن البائس أنه لا يستطيع تحطيم عزمنا بهذه السهول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق