الأحد، 27 مارس 2011

الجزء الرابع من رواية مزرعة الحيوانات

الجزء الرابع من رواية مزرعة الحيوانات
الفصل الرابع
بنهاية الصيف انتشر خبر ثورة حيوانات مزرعة جونز في أرجاء كثيرة من البلاد. أما جونز فقد أمضى الفترة منذ طرده من المزرعة مترددا على حانات الخمر.. متظلما لكل أذن تسمع. يشكو حاله وما وقع له على يد حيوانات مزرعته!
وتعاطف بعض الفلاحين مع جونز ليس حبا به وإنما طمعا في استثمار وضعه السيئ، وأخذ كل واحد منهم يفكر في أفضل السبل للاستفادة مما آل إليه حاله.
ومن حسن حظ الحيوانات، كانت المزرعتان المجاورتان مهملتان: إحداها تسمى فوكسووود، يملكها رجل كسول يدعى بيلكنجتون.. يقضي معظم أيامه في صيد السمك والقنص، والأخرى تسمى "بنتشفيلد"، صاحبها رجل قاسي الطباع يدعى فريدريك عرف عنه تورطه في قضايا قانونية واشتهر بتعنته في المساومة. ولم يكن الرجلان يكنان لبعضهما من الود شيئا، ولا كانا على وفاق قط حتى للدفاع عن مصالحهما المشتركة!
لم يأخذ الرجلان في البداية ما يجري في المزرعة على محمل الجد.. ظنا أن الحيوانات ستعجز عن إدارة شؤون المزرعة، وستموت جوعا بعد أن ينشب الخلاف بينها. وبمرور الأيام، ولم يتحقق شيئا مما توقعاه، وأصبحت المزرعة مصدر إزعاج لهما، وبدأ يتسلل إلى أنفسهما الخوف من انتشار تمرد المزرعة المجاورة بين حيواناتهم، فبذلا ما في وسعيهما لمنع وصول اخبار نجاح ثورة الحيوانات.
وأخذ الرجلان يروجان أكاذيب عن الأعمال الشريرة التي تمارس في مزرعة الحيوان، وكيف تبطش الحيوانات ويأكل بعضها البعض الآخر، ويستبيح بعضها إناث البعض الآخر!
كانت هذه الروايات، في الحقيقة، ضعيفة المضمون ولا تصدق. وعلى عكس ذلك، فقد انتشر الخبر في أرجاء الريف كله عن المزرعة العجيبة التي طرد منها مزارعٌ فاسدٌ، وتدبرت حيواناتها أمر نفسها بنجاح لا يخطر على بال. فقد دأب سنوبول ونابولين طوال الوقت على إرسال أسراب من الحمام إلى المزارع المجاورة لإخبارها بتمرد الحيوانات على الإنسان وتعليمها "أنشودة حيوانات انجلترا"!
* * *
وذات يوم من أيام شهر أكتوبر عادت مجموعة من الحمام تدور في الهواء مضطربة وحطت أمام الحظيرة الكبيرة، وأعلنت أنها شاهدت جونز ورجاله ومعهم ستة من رجال فوكسوود وبنتشفيلد قادمين في طريقهم إلى المزرعة.. يحملون العصي وعلى رأسهم جونز مسلحا ببندقية نارية. كان واضحا أنهم قادمون لاستعادة المزرعة.
بيد أن الحيوانات لم تؤخذ على حين غرة، فقد توقعت ذلك منذ مدة، وأعدت العدة للتعامل معهم والتصدي لهجومهم: فسنوبول، الذي درس كتاباً عن حملة يوليوس قيصر وجده في دار جونز، كان مؤهلا لتولي الشؤون العسكرية والتخطيط للعمليات الدفاعية. وبمجرد أن أعطى الأوامر اتخذ كل حيوان موقعه المناسب.
ما كاد جونز ورجاله يقتربون من مباني المزرعة حتى دفع سنوبول بخط هجومه الأول حيث أمر الحمام، وكان عددها خمس وثلاثين، بالإغارة على الرجال من فوق رؤوسهم؛ فأحدثت ارتباكا في صفوف المهاجمين. وفيما كان الرجال يتدبرون أمر الحمام من فوقهم، إذا بالإوز تظهر فجأة من مخبئها وراء سياج الشجر وأخذت تنقر الرجال في سيقانهم بشراسة وعنف.
لم يكن ذلك التكتيك سوى مناورة لبث الفوضى في صفوف المعتدين وتشتيت قوتهم، وكان من السهل على الرجال ضرب الإوز وإبعاده بعصيهم. وفي هذا الوقت دفع سنوبول بخط هجومه الثاني حيث اندفع على رأس مجموعة من الخراف وبنجامين وميوريل نحو جونز ورجاله، وأخذوا يرفسونهم وينطحونهم من كل جانب، بيد أن الرجال، وللمرة الثانية، تغلبوا على الحيوانات بعصيهم وأحذيتهم المصفحة بالحديد والمسامير. وفجأة وبصيحة من سنوبول، التي كانت إشارة بالانسحاب، تراجعت الحيوانات هاربة نحو البوابة ومنها إلى الساحة.
تعالت صيحات الانتصار بين الرجال، فقد ظنوا أن عدوهم يفر هاربا من أرض المعركة، فاندفعوا خلفه من دون نظام. وهذا ما كان يهدف إليه سنوبولإذ ما أن أصبح الرجال وسط الساحة حتى اندفعت الخيول الثلاثة والأبقار وبقية الخنازير فجأة خلفهم وقطعت عليهم الطريق. وأعطى سنوبول إشارة الهجوم.. بدأه بنفسه حيث انطلق بسرعة نحو جونز الذي سرعان ما رفع بندقيته وأطلق النار تجاه فأصابه بخدوش طفيفة في ظهره، وأصابت رصاصة أخرى أحد الخراف فأردته قتيلا. ومن دون تردد ألقى سنوبول بثقله على رجلي جونز فأطاح به وسط كومة السماد وطارت بندقيته وسقطت في بركة الطين.
ولعل أعظم وقائع المعركة إثارة وعنفا تلك التي خاضها بوكسر: كان يقف منتصبا على قائمتيه الخلفيتين ويسدد اللكمات بحوافره الحديدية وكأنه حصان يافع. وكانت أولى لكماته من نصيب صبي الإسطبل في مزرعة فوكسوود، فأصابته في رأسه وطرحته أرضا بلا حركة.
وإزاء ما واجهوه، دخل الرعب قلوب الرجال فألقوا عصيهم وولوا الأدبار، وجرت الحيوانات كلها خلفهم.. تطاردهم في دائرة حول الساحة! لم يبق حيوان إلا وانتقم لنفسه. وبعد خمس دقائق من بدء الغزو عاد الرجال يجرون ذيال الهزيمة إلى الطريق الذي قدموا منه.
فر المهاجمون جميعا إلا صبي الإسطبل.. وحين حاول بوكسر تحريكه بحافره ولم يبد الصبي حراكا، أعلن بأسف وفاته: ـ لقد مات الصبي.. لم أقصد قتله.وصرخ سنوبول والدماء تسيل من خدوشه: ـ لا مجال للعواطف أيها الرفيق! الحرب حرب.. هناك إنسان واحد جيد ـ الميت فقط. ولكن الصبي لم يكن ميتا.. كان مغمى عليه فقط، وحالما استعاد وعيه فر هاربا.
عمت الفرحة المكان، وأخذ كل حيوان يصف مآثره البطولية بأصوات عالية، وعلى الفور نظم احتفال ارتجالي بمناسبة النصر، رُفع خلاله العلم ورددت الحيوانات نشيد "حيوانات إنجلترا" مرات عدة، ثم أقيمت مراسيم دفن مهيبة للخروف المتوفى.. اختتمها سنوبول بخطاب قصير دعا فيه الحيوانات إلى الاستعداد للموت في سبيل مزرعتها إذا اقتضت الضرورة.
استحدثت الحيوانات وساماً أطلقت عليه "وسام بطل الحيوانات" من الدرجة الأولى وخُلع على سنوبول وبوكسر على أن يلبس في أيام الآحاد والأعياد. وهو عبارة عن قطعة نحاسية عثر عليها في غرفة العدة، ومنح وسام "بطل الحيوانات" من الدرجة الثانية للخروف المتوفى.
وبعد انتهاء الاحتفال بالنصر، دخلت الحيوانات في جدل طويل حول تسمية المعركة، ولكنها اتفقت في نهاية المطاف على اطلاق اسم "معركة حظيرة البقر" حيث وقعت أحداث المعركة، واُتفق على نصب بندقية جونز، التي وجدت في الوحل قرب سارية العلم، وإطلاق النار منها مرتين في العام احتفاء بمناسبتين: عيد الثورة ويوم النصر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق