الجزء الخامس من رواية مزرعة الحيوانات
الفصل الخامس
مع اقتراب فصل الشتاء، أخذت مولى تثير المزيد من المتاعب بتكاسلها الدائم وأعذارها الواهية للتهرب من أداء عملها واتصالاتها المشبوهة برجال المزارع المجاورة. وفي أحد الأيام رأتها كلوفر تتحدث مع أحد رجال مزرعة فوكسوود من وراء السياج.. وكان يداعبها ويمسح بيده على وجهها، فحذرتها، ولكن مولي نفت كل ما قالته كلوفر.
وبعد ثلاثة أيام اختفت المهرة البيضاء ولم يعرف عنها شيء. وفي وقت ما بعد ذلك قالت الحمامة أنها شاهدت مولي في الجانب الآخر من السياج.. يمتطيها أحد رجال مزرعة بيلكنجتون! ومنذئذ ذلك الوقت انقطعت أخبرها، ولم يعد يأتي أحد على ذكرها في المزرعة.
***كان الشتاء قارصا، وغدت الأرض صلبة كالحديد؛ فتعذر على الحيوانات العمل ولم يكن في المزرعة ما يمكن القيام به، بيد أن الحيوانات استبدلت الجهد البدني بجهد ذهني، فنَظمت اجتماعات عديدة في حظيرة الخنازير التي شغلت نفسها بالتخطيط لأعمال فصل الربيع القادم.
أصبحت الخنازير الآن تضطلع بدور القيادة لما عُرف عنها من ذكاء وفطنة، فكانت تتخذ القرارات المتعلقة بشؤون المزرعة وتعرضها على الحيوانات للتصويت عليها.
وكان لهذا الوضع أن يستمر من دون عوائق لولا الخلاف المتواصل بين سنوبول ونابولين. كانا يختلفان على كل نقطة يمكن الاختلاف عليها، وحين لا يجدان ما يختلفان عليه، كانا يثيران قضايا لا لشيء غير تأكيد اختلاف وجهتي نظريهما: فإذا أقترح أحدهما تخصيص مساحة أكبر من الأرض لزراعة الشعير، سيقترح الآخر تخصيص مساحة اكبر للشوفان. وكان لكل منهما أسلوبه ومؤيدوه للحصول على التأييد الذي يتحول أحيانا إلى جدل عنيف. وغدا واضحا أن ثمة صراع خفي يدور بين الاثنين!
اشتهر سنوبول بخطبه الرائعة في الاجتماعات، وكانت تلك وسيلته للحصول على الأصوات، في حين عُرف عن نابولين قوة شخصيته لكسب أصوات المقترعين، وكان يحظى بشعبية واسعة بين الخراف، التي أخذت مؤخرا تهتف بـ"الخير في ذوات السيقان الأربعة والشر في ذوات الساقين".. مما يعرقل أحيانا سير الاجتماع. ولوحظ أيضا ميلها، وعن عمد، للثغاء خلال تطرق سنوبول للمسائل الحساسة في خطبه أو حين تشتد المناقشة وترتفع الأصوات.
***غدا خلاف سنوبول ونابولين السمة البارزة والمشتركة لكل المناقشات التي تدور حول المشاريع المطروحة للنقاش في الاجتماعات، لكن أكثرها إثارة للجدل ومخيباً للآمال تلك التي برزت أثناء مناقشة موضوع بناء طاحونة الهواء. فقد اقترح سنوبول بناء طاحونة هواء لتشغيل مولد كهراء يزود المزرعة بالطاقة اللازمة لإنارة مرابض الحيوانات وتدفئتها، وتشغيل المنشار الكهربائي وآلة الحلب.
لم تسمع الحيوانات عن شيء مثل ذلك من قبل، فراحت تصغي بدهشة إلى سنوبول وهو يرسم لها صور الآلات العجيبة التي ستقوم بعملها في حين ترتع هي في الحقل أو تُحسن مستوياتها الفكرية بالقراءة أو النقاش.
أنهى سنوبول خلال أسابيع المخططات المطلوبة لإنشاء طاحونة الهواء مستعينا بثلاثة كتب علمية وجدها في مكتبة جونز لمعرفة التفاصيل الميكانيكية والإنشائية. واستفاد أيضا من حظيرة صغيرة لها أرضية خشبية لرسم المخططات وبناء المجسمات والتي نمت بعد فترة وجيزة، وأصبحت كومة من الأذرع والعجلات المسننة تغطي أكثر من نصف مساحة المكان. وعلى الرغم من أن الحيوانات الأخرى أظهرت جهلها بتلك المجسمات لكنها لم تخفِ اعجابها بذلك الإنجاز الرائع، وكانت تأتي مرة واحدة يوميا على الأقل لمشاهدة مجسمات المشروع.
أما نابولين فقد اتخذ موقفا معارضا من طاحونة الهواء منذ البداية، ودفع بمعارضته المزرعة بكأملها إلى انقسام حاد حول مسألة بنائها. لم ينكر سنوبول أن بناء الطاحونة يتطلب تضحيات جساماً، ويستدعي بذل جهود ضخمة لاقتلاع الأحجار وبناء الجدران وتثبيت المراوح، وسيحتاج إلى مولد كهرباء وأسلاك، لكنه لم يتطرق إلى مسألة توفير هذه المواد وادعى أنه يمكن إنجازها خلال سنة واحدة.
وزعم أن تشغيل الطاحونة سُيغني الحيوانات عن متاعب جمة، فلن تضطر للعمل سوى ثلاثة أيام في الأسبوع فقط. نابولين، من جهته، برر معارضته للطاحونة على أساس أن الحاجة تستدعي الآن زيادة إنتاج الطعام، وأكد إن بناء الطاحونة ليس سوى مضيعة للوقت ستفضي في نهاية الأمر إلى هلاك الحيوانات جوعا!
انقسمت الحيوانات على نفسها: انضوت فئة منها تحت شعار "صوت لسنوبول ولثلاثة أيام عمل في الأسبوع"، ورفعت أخرى شعار "صوت لنابولين وللعلف الكامل". بنجامين ـ الحمار ـ وحده عبر عن سخطه لهذا التحزب، ورفض الانحياز لأيٍ من الطرفين. لم يكن مقتنعا بالأسباب التي جعلت الحيوانات تختلف، " فلا الطعام سيكون وفيرا ولا أيام العمل ستقل".. بهذا أسر لنفسه، وحين سئل عن سبب موقفه من وجهتي النظر أجاب وفي نبرة صوته سخرية لم يخفها: "طاحونة أم من دون طاحونة، ستستمر الحياة كشأنها دائما مزرية".
***خلاف الخنزيرين: سنوبول ونابولين لم يقتصر على طاحونة الهواء وحسب، فقد اختلفا أيضا حول أسلوب الدفاع عن المزرعة. فعلى الرغم من هزيمة جونز ورجاله في معركة حظيرة البقر كانت الحيوانات على يقين تام من أن الرجال سيعاودون الكرة في محاولة أخرى أكثر عزما وشراسة لاستعادة المزرعة وتنصيب جونز.. لا حباً فيه، وإنما خوفاً من انتشار فكرة التمرد إلى حيواناتهم التي أضحت أكثر عنادا من أي وقت مضى بعد أن تسرب إليها خبر ما جرى في مزرعة "جونز"!
وكعادتهما في كل اجتماع، اختلف سنوبول ونابولين حول كيفية اتخاذ التدابير اللازمة للدفاع عن المزرعة، فقد اقترح نابولين الحصول على بنادق نارية وتدريب الحيوانات على استعمالها في حين دعا سنوبول إلى تصدير الثورة إلى المزارع المجاورة، واقترح إرسال الحمام إلى المزارع الأخرى لتحريض حيواناتها على التمرد، ومن ثم إلى أي مكان بوسعها الوصول إليه.
الأول أكد وجهة نظرة بأهمية امتلاك القوة المسلحة للدفاع عن النفس لتفادي الهزيمة، وقال الثاني: لا حاجة للدفاع عن النفس إذا نجحت ثورة الحيوانات في المزارع الأخرى. وظلت الحيوانات تتابع حجة كل منهما وهو يحاول إقناعها بوجهة نظره، لكنها كانت غير قادرة على ترجيح أَحدهما على الآخر لاختيار الأسلوب الأفضل لمواجهة العدو. والحقيقة أنها كانت دائما تستحسن رأي المتحدث أثناء حديثه.
***وأخيرا جاء اليوم الذي طرحت فيه قضية بناء الطاحونة للتصويت بعد أن أكمل سنوبول مخططاته. فقد وقف أمام الحيوانات المجتمعة في الحظيرة الكبيرة مؤكدا أهمية بناء الطاحونة على الرغم من المقاطعة التي كان يثيرها ثغاء الخراف بين الحين والآخر، ثم وقف نابولين للرد عليه، فاختصر حديثه في بضعة كلمات. قال إن بناء الطاحونة غير مجد، وكرر وصفه لها بالسذاجة، ودعا الحيوانات إلى رفض فكرة بنائها، وجلس وملامح الإخفاق تبدو عليه!
وإلى هنا كانت أصوات الحيوانات متوزعة بالتساوي تقريبا، لكن سنوبول هب واقفاً وأخذ يرسم صورة زاهية لحياة الحيوانات في المزرعة عندما ترفع الأعمال المنحطة عن كاهلها؛ فالكهرباء، كما شرح للحيوانات المجتمعة، سوف يشغل محركات الدراسة، والمحاريث، وآلات الحصاد، ومعدات تسوية الأرض إلى جانب توفير الإنارة والمياه الساخنة، وأجهزة التدفئة لكل مربض. وبعد أن أنهى سنوبول حديثه وقد رجَّحت بلاغته وقوة حجته كفة بناء الطاحونة، لم يعد ثمة شك في نتيجة التصويت.
وإذ تأكد نابولين أن الهزيمة ستكون من نصيبه، وقف وعيناه يتطاير منهما الشرر وأطلق صيحة عالية لم يسمع لها مثيل من قبل.. ارتفع على إثرها خارج الحظيرة نباح مخيف، واقتحمت الحظيرة تسعة كلاب ضخمة تطوق أعناقها ياقات نحاسية، واندفعت مباشرة نحو سنوبول الذي تفادى قبضة أسنانها في الوقت المناسب.
وتدافعت الحيوانات الخائفة الى البوابة لمشاهدة المطاردة: كان سنوبول يركض عبر المرعى المرتفع الطويل المؤدي إلى الطريق العام بأقصى سرعة ممكنة لخنزير في مثل سنه، وكانت الكلاب تجري خلفه، وفجأة انزلقت قدمه فسقط، وتأكد للحيوانات التي كانت تتابع المطاردة بعيون ملؤها الدهشة أن الكلاب انقضت عليه، لكنه سرعان ما نهض ليواصل الهرب، وبذل في اللحظة الأخيرة جهدا مضاعفا لإبعاد الكلاب عن ذيله. وحين سنحت له الفرصة لم يدخر جهدا في الانسلال داخل حفرة تحت سياج المزرعة. اختفى سنوبول ولم يشاهد له أثر منذ ذلك الوقت.
تقهقرت الحيوانات إلى داخل الحظيرة بهدوء وقد تملكها رعب شديد؛ فجثمت متراصة الأجساد وبصمت أخذ بعضها يحملق في عيون البعض الآخر بحثاً عن تفسير لما كان يحدث أمام أعيونها!
لم يتعرَّف أحد في البداية على هذه المخلوقات الغريبة الشرسة التي كادت تقضي على سنوبول، ولكن سرعان ما تضح الأمر، فبعد أن هدأَ روعها تذكرت الحيوانات الجِرَاء التي أخذها نابولين من أحضان أمهاتها وتولى رعايتها بعيدا عن الأنظار! وعلى الرغم من أن نموها لم يكتمل، إلا أن أجسامها كانت ضخمة وأشكالها متوحشة كالذئاب، ولوحظ أنها كانت تهز ذيولها لنابولين مثلما كانت الكلاب الأخرى تفعل مع جونز.
* * *اعتلى نابولين المنصة ووقفت خلفه الكلاب التسعة، وأعلن أنه لا يرى مبرراً لمواصلة عقد اجتماعات يوم الأحد، وقال إنها مجرد مضيعة للوقت. أما المسائل المتعلقة بعمل المزرعة فستبت في أمرها لجنة مختصة من الخنازير وسيضطلع هو شخصيا برئاستها ولكن من دون مناقشتها مع الحيوانات الأخرى، وستستمر مراسيم رفع العلم وإنشاد "حيوانات إنجلترا"، وستُعطى التعليمات بشأن العمل كالعادة.
وعلى الرغم من شدة الصدمة التي خلفها طرد سنوبول في نفوس الحيوانات، إلا أن إلغاء اجتماع أيام الأحد أصاب الحيوانات بالهلع، وعندما أراد بعضها الاعتراض على القرار، لم تجد الحجة المناسبة، حتى بوكسر أبدى تذمره، وحاول جاهدا حشد أفكاره غير أن عقله لم يسعفه، ولم يستطع في النهاية التعبير عن وجهة نظره، فلاذ بالصمت.
بيد أن مجموعة من الخنازير كانت أكثر وضوحا في التعبير عن انزعاجها، حين استهجنت أربعة منها يافعة القرار، فتقدمت نحو المنصة وأعلنت بصوت عال معارضتها لإلغاء الاجتماع، ولكن الكلاب المحيطة بنابولين أطلقت فجأة زمجرة توعد أرغمت الخنازير المناوئة على السكوت والعودة ذليلة إلى أماكنها. وبعد ذلك ارتفعت أصوات الخراف تهتف "الخير في ذوات السيقان الأربعة والشر في ذوات الساقين" لمدة ربع ساعة حتى انفض الاجتماع.
وبعد أن هدأت الحيوانات واستوعبت حقيقة ما جرى، أرسل سكويلر لشرح الترتيبات الجديدة فقال: ـ أيها الرفاق، إنني على ثقة أنكم تقدرون التضحيات إلى يبذلها الرفيق نابولين لتحمل هذا العبء الإضافي بنفسه. أرجو ألا يخطر ببال أحدكم أن الزعامة متعة بل على العكس إنها مسؤولية ثقيلة وصعبة للغاية.
وبصوت متهدج تابع حديثه:ـ لا أحد أكثر إيمانا بمبدأ المساواة بين الحيوانات من الرفيق نابولين.. كان بوده أن يجعلكم تتدبرون شؤونكم بأنفسكم، وتتخذون ما يناسبكم من القرارات، ولكنه يخشى عليكم، فقد تتخذون قرارات خاطئة لا تصلح لكم! نفترض مثلا أنكم وافقتكم الخائن سنوبول في هذيانه لبناء الطاحونة، فإلامَ سيؤول حالٌكم؟ إنه كما تعلمون ليس سوى مجرم أراد خداعكم! وأعترض أحد الحيوانات قائلا: ـ لكنه قاتل بشجاعة في معركة حظيرة البقر. ورد سكويلر: ـ الشجاعة وحدها لا تكفي.. الولاء والطاعة أهم من ذلك. أما بالنسبة لمعركة حظيرة البقر فسيأتي الوقت المناسب للكشف عن دور سنوبول المبالغ فيه. إننا في عصر النظام يا رفاق، فالانضباط الصارم هو شعار اليوم. زلة طفيفة وسيدوس عدونا على أعناقنا، وبالتأكيد أنتم لا ترغبون في عودة جونز.
ومرة أخرى، كانت هذه الحجة كفيلة بالإجابة عن التساؤلات كافة ‘ فلا أحد من الحيوانات يحن إلى عصر العبودية والذل! ومن أجل ذلك أبدت الحيوانات استعدادها وعن طيب خاطر للتنازل عن حق المشاركة في اتخاذ القرارات. حتى بوكسر، الذي كان لديه متسع من الوقت لإعادة التفكير، عبر عن هذا التحول في الرأي قائلا: "إذا كان هذا ما يقوله الرفيق نابولين، فالرفيق نابولين دائما على حق". ومنذ ذلك الوقت اعتنق شعارا آخر "نابولين دائما على حق" إلى جانب حكمته الشهيرة ""سأعمل بجهد أكبر".
***جاء الربيع بعد شتاء قارص شهدت خلاله المزرعة تحولات جساماً، وبدأت الحيوانات العمل في الحقل بهمة ونشاط.. كانت تجتمع كل يوم أحد الساعة العاشرة في الحظيرة لتتلقى الأوامر الأسبوعية. بيد أن طريقة جلوسها اختلفت في هذه الاجتماعات عما اعتادت عليه في المرات السابقة. فقد كان نابولين يتصدر الجلسة على منصة مرتفعة وبجانبه سكويلر، وتجلس الكلاب التسعة حولهما على شكل نصف دائرة في حين تجلس بقية الخنازير خلفهم بانتظام. أما الحيوانات الأخرى فكانت تجلس قبالتهم وسط الحظيرة. وكان نابولين يقرأ أوامر العمل بأسلوب عسكري صارم، ثم ينتهي الاجتماع بنشيد "حيوانات إنجلترا" مرة واحدة فقط.. بعده تتفرق الحيوانات كلٌ في سبيله.
***كانت الحظيرة الصغيرة التي بنى فيها سنوبول مجسمات الطاحونة قد أغلقت بعد طرده، واعتقد الجميع أنها هُدمت، لكن نابولين فاجأ الجميع عندما أعلن، بعد ثلاثة أسابيع فقط من طرد سنوبول، أنه يجب مواصلة التخطيط لبناء طاحونة الهواء، ولم يعط سببا لتغيير رأيه غير أنه حذر الحيوانات من أن العمل الإضافي يستدعي جهدا كبيرا ومزيدا من التضحية، وربما تطلَّب تخفيض حصص الطعام أيضا.
وفي المساء جاء سكويلر، مرة أخرى، لكشف ما اكتنف الموضوع من غموض، وتوضيح ما استعصى على بعض الحيوانات فهمه، إذ قال: ـ لم يكن الرفيق نابولين في الواقع معارضا لفكرة إنشاء طاحونة الهواء، بل على العكس كانت من بنات أفكاره وهو الذي دعا في البداية إلى إقامتها. أما المخططات التي رُسمت في الحظيرة الصغيرة فإنها سرقت من مجموعة أوراق الرفيق نابولين. فالطاحونة في الواقع هي من وحي اختراعه.وأنبرى أحد الحيوانات متسائلا: ـ ولكن لماذا عارض بقوة إنشاءها؟ نظر سكويلر إليه بخبث ثم نقل عينيه إلى الوجوه أمامه، ورد متباهياً: ـ ذلك يا رفاق وجهٌ من أوجه البراعة السياسية والحنكة التي يتمتع بها الرفيق نابولين، فاعتراضه على الطاحونة ليس سوى مناورة ذكية للإطاحة بسنوبول.. ذلك المخلوق الخطير ذو التأثير السيئ. واستطرد:ـ والآن وقد أصبح سنوبول خارج المزرعة، ولم يعد يشكل خطراً على أحد، غدا بوسعنا متابعة تنفيذ المشروع من دون تدخله، وهذا يدعى تكتيكاً. وأعادها عدة مرات وهو يهز ذيله ويضحك حبوراً: ـ "تكتيك" يا رفاق "تكتيك".
هل فهمت الحيوانات التي اجتمع بها سكويلر شيئا مما كان يعنيه بتلك الكلمة؟ لا طبعا! لكن طريقته القوية للإقناع معززة بزمجرة الكلاب الثلاثة التي رافقته، كانت كفيلة بقبول إيضاحاته ـ وان لم تستوعبها الحيوانات ـ بلانقاش.
مع اقتراب فصل الشتاء، أخذت مولى تثير المزيد من المتاعب بتكاسلها الدائم وأعذارها الواهية للتهرب من أداء عملها واتصالاتها المشبوهة برجال المزارع المجاورة. وفي أحد الأيام رأتها كلوفر تتحدث مع أحد رجال مزرعة فوكسوود من وراء السياج.. وكان يداعبها ويمسح بيده على وجهها، فحذرتها، ولكن مولي نفت كل ما قالته كلوفر.
وبعد ثلاثة أيام اختفت المهرة البيضاء ولم يعرف عنها شيء. وفي وقت ما بعد ذلك قالت الحمامة أنها شاهدت مولي في الجانب الآخر من السياج.. يمتطيها أحد رجال مزرعة بيلكنجتون! ومنذئذ ذلك الوقت انقطعت أخبرها، ولم يعد يأتي أحد على ذكرها في المزرعة.
***كان الشتاء قارصا، وغدت الأرض صلبة كالحديد؛ فتعذر على الحيوانات العمل ولم يكن في المزرعة ما يمكن القيام به، بيد أن الحيوانات استبدلت الجهد البدني بجهد ذهني، فنَظمت اجتماعات عديدة في حظيرة الخنازير التي شغلت نفسها بالتخطيط لأعمال فصل الربيع القادم.
أصبحت الخنازير الآن تضطلع بدور القيادة لما عُرف عنها من ذكاء وفطنة، فكانت تتخذ القرارات المتعلقة بشؤون المزرعة وتعرضها على الحيوانات للتصويت عليها.
وكان لهذا الوضع أن يستمر من دون عوائق لولا الخلاف المتواصل بين سنوبول ونابولين. كانا يختلفان على كل نقطة يمكن الاختلاف عليها، وحين لا يجدان ما يختلفان عليه، كانا يثيران قضايا لا لشيء غير تأكيد اختلاف وجهتي نظريهما: فإذا أقترح أحدهما تخصيص مساحة أكبر من الأرض لزراعة الشعير، سيقترح الآخر تخصيص مساحة اكبر للشوفان. وكان لكل منهما أسلوبه ومؤيدوه للحصول على التأييد الذي يتحول أحيانا إلى جدل عنيف. وغدا واضحا أن ثمة صراع خفي يدور بين الاثنين!
اشتهر سنوبول بخطبه الرائعة في الاجتماعات، وكانت تلك وسيلته للحصول على الأصوات، في حين عُرف عن نابولين قوة شخصيته لكسب أصوات المقترعين، وكان يحظى بشعبية واسعة بين الخراف، التي أخذت مؤخرا تهتف بـ"الخير في ذوات السيقان الأربعة والشر في ذوات الساقين".. مما يعرقل أحيانا سير الاجتماع. ولوحظ أيضا ميلها، وعن عمد، للثغاء خلال تطرق سنوبول للمسائل الحساسة في خطبه أو حين تشتد المناقشة وترتفع الأصوات.
***غدا خلاف سنوبول ونابولين السمة البارزة والمشتركة لكل المناقشات التي تدور حول المشاريع المطروحة للنقاش في الاجتماعات، لكن أكثرها إثارة للجدل ومخيباً للآمال تلك التي برزت أثناء مناقشة موضوع بناء طاحونة الهواء. فقد اقترح سنوبول بناء طاحونة هواء لتشغيل مولد كهراء يزود المزرعة بالطاقة اللازمة لإنارة مرابض الحيوانات وتدفئتها، وتشغيل المنشار الكهربائي وآلة الحلب.
لم تسمع الحيوانات عن شيء مثل ذلك من قبل، فراحت تصغي بدهشة إلى سنوبول وهو يرسم لها صور الآلات العجيبة التي ستقوم بعملها في حين ترتع هي في الحقل أو تُحسن مستوياتها الفكرية بالقراءة أو النقاش.
أنهى سنوبول خلال أسابيع المخططات المطلوبة لإنشاء طاحونة الهواء مستعينا بثلاثة كتب علمية وجدها في مكتبة جونز لمعرفة التفاصيل الميكانيكية والإنشائية. واستفاد أيضا من حظيرة صغيرة لها أرضية خشبية لرسم المخططات وبناء المجسمات والتي نمت بعد فترة وجيزة، وأصبحت كومة من الأذرع والعجلات المسننة تغطي أكثر من نصف مساحة المكان. وعلى الرغم من أن الحيوانات الأخرى أظهرت جهلها بتلك المجسمات لكنها لم تخفِ اعجابها بذلك الإنجاز الرائع، وكانت تأتي مرة واحدة يوميا على الأقل لمشاهدة مجسمات المشروع.
أما نابولين فقد اتخذ موقفا معارضا من طاحونة الهواء منذ البداية، ودفع بمعارضته المزرعة بكأملها إلى انقسام حاد حول مسألة بنائها. لم ينكر سنوبول أن بناء الطاحونة يتطلب تضحيات جساماً، ويستدعي بذل جهود ضخمة لاقتلاع الأحجار وبناء الجدران وتثبيت المراوح، وسيحتاج إلى مولد كهرباء وأسلاك، لكنه لم يتطرق إلى مسألة توفير هذه المواد وادعى أنه يمكن إنجازها خلال سنة واحدة.
وزعم أن تشغيل الطاحونة سُيغني الحيوانات عن متاعب جمة، فلن تضطر للعمل سوى ثلاثة أيام في الأسبوع فقط. نابولين، من جهته، برر معارضته للطاحونة على أساس أن الحاجة تستدعي الآن زيادة إنتاج الطعام، وأكد إن بناء الطاحونة ليس سوى مضيعة للوقت ستفضي في نهاية الأمر إلى هلاك الحيوانات جوعا!
انقسمت الحيوانات على نفسها: انضوت فئة منها تحت شعار "صوت لسنوبول ولثلاثة أيام عمل في الأسبوع"، ورفعت أخرى شعار "صوت لنابولين وللعلف الكامل". بنجامين ـ الحمار ـ وحده عبر عن سخطه لهذا التحزب، ورفض الانحياز لأيٍ من الطرفين. لم يكن مقتنعا بالأسباب التي جعلت الحيوانات تختلف، " فلا الطعام سيكون وفيرا ولا أيام العمل ستقل".. بهذا أسر لنفسه، وحين سئل عن سبب موقفه من وجهتي النظر أجاب وفي نبرة صوته سخرية لم يخفها: "طاحونة أم من دون طاحونة، ستستمر الحياة كشأنها دائما مزرية".
***خلاف الخنزيرين: سنوبول ونابولين لم يقتصر على طاحونة الهواء وحسب، فقد اختلفا أيضا حول أسلوب الدفاع عن المزرعة. فعلى الرغم من هزيمة جونز ورجاله في معركة حظيرة البقر كانت الحيوانات على يقين تام من أن الرجال سيعاودون الكرة في محاولة أخرى أكثر عزما وشراسة لاستعادة المزرعة وتنصيب جونز.. لا حباً فيه، وإنما خوفاً من انتشار فكرة التمرد إلى حيواناتهم التي أضحت أكثر عنادا من أي وقت مضى بعد أن تسرب إليها خبر ما جرى في مزرعة "جونز"!
وكعادتهما في كل اجتماع، اختلف سنوبول ونابولين حول كيفية اتخاذ التدابير اللازمة للدفاع عن المزرعة، فقد اقترح نابولين الحصول على بنادق نارية وتدريب الحيوانات على استعمالها في حين دعا سنوبول إلى تصدير الثورة إلى المزارع المجاورة، واقترح إرسال الحمام إلى المزارع الأخرى لتحريض حيواناتها على التمرد، ومن ثم إلى أي مكان بوسعها الوصول إليه.
الأول أكد وجهة نظرة بأهمية امتلاك القوة المسلحة للدفاع عن النفس لتفادي الهزيمة، وقال الثاني: لا حاجة للدفاع عن النفس إذا نجحت ثورة الحيوانات في المزارع الأخرى. وظلت الحيوانات تتابع حجة كل منهما وهو يحاول إقناعها بوجهة نظره، لكنها كانت غير قادرة على ترجيح أَحدهما على الآخر لاختيار الأسلوب الأفضل لمواجهة العدو. والحقيقة أنها كانت دائما تستحسن رأي المتحدث أثناء حديثه.
***وأخيرا جاء اليوم الذي طرحت فيه قضية بناء الطاحونة للتصويت بعد أن أكمل سنوبول مخططاته. فقد وقف أمام الحيوانات المجتمعة في الحظيرة الكبيرة مؤكدا أهمية بناء الطاحونة على الرغم من المقاطعة التي كان يثيرها ثغاء الخراف بين الحين والآخر، ثم وقف نابولين للرد عليه، فاختصر حديثه في بضعة كلمات. قال إن بناء الطاحونة غير مجد، وكرر وصفه لها بالسذاجة، ودعا الحيوانات إلى رفض فكرة بنائها، وجلس وملامح الإخفاق تبدو عليه!
وإلى هنا كانت أصوات الحيوانات متوزعة بالتساوي تقريبا، لكن سنوبول هب واقفاً وأخذ يرسم صورة زاهية لحياة الحيوانات في المزرعة عندما ترفع الأعمال المنحطة عن كاهلها؛ فالكهرباء، كما شرح للحيوانات المجتمعة، سوف يشغل محركات الدراسة، والمحاريث، وآلات الحصاد، ومعدات تسوية الأرض إلى جانب توفير الإنارة والمياه الساخنة، وأجهزة التدفئة لكل مربض. وبعد أن أنهى سنوبول حديثه وقد رجَّحت بلاغته وقوة حجته كفة بناء الطاحونة، لم يعد ثمة شك في نتيجة التصويت.
وإذ تأكد نابولين أن الهزيمة ستكون من نصيبه، وقف وعيناه يتطاير منهما الشرر وأطلق صيحة عالية لم يسمع لها مثيل من قبل.. ارتفع على إثرها خارج الحظيرة نباح مخيف، واقتحمت الحظيرة تسعة كلاب ضخمة تطوق أعناقها ياقات نحاسية، واندفعت مباشرة نحو سنوبول الذي تفادى قبضة أسنانها في الوقت المناسب.
وتدافعت الحيوانات الخائفة الى البوابة لمشاهدة المطاردة: كان سنوبول يركض عبر المرعى المرتفع الطويل المؤدي إلى الطريق العام بأقصى سرعة ممكنة لخنزير في مثل سنه، وكانت الكلاب تجري خلفه، وفجأة انزلقت قدمه فسقط، وتأكد للحيوانات التي كانت تتابع المطاردة بعيون ملؤها الدهشة أن الكلاب انقضت عليه، لكنه سرعان ما نهض ليواصل الهرب، وبذل في اللحظة الأخيرة جهدا مضاعفا لإبعاد الكلاب عن ذيله. وحين سنحت له الفرصة لم يدخر جهدا في الانسلال داخل حفرة تحت سياج المزرعة. اختفى سنوبول ولم يشاهد له أثر منذ ذلك الوقت.
تقهقرت الحيوانات إلى داخل الحظيرة بهدوء وقد تملكها رعب شديد؛ فجثمت متراصة الأجساد وبصمت أخذ بعضها يحملق في عيون البعض الآخر بحثاً عن تفسير لما كان يحدث أمام أعيونها!
لم يتعرَّف أحد في البداية على هذه المخلوقات الغريبة الشرسة التي كادت تقضي على سنوبول، ولكن سرعان ما تضح الأمر، فبعد أن هدأَ روعها تذكرت الحيوانات الجِرَاء التي أخذها نابولين من أحضان أمهاتها وتولى رعايتها بعيدا عن الأنظار! وعلى الرغم من أن نموها لم يكتمل، إلا أن أجسامها كانت ضخمة وأشكالها متوحشة كالذئاب، ولوحظ أنها كانت تهز ذيولها لنابولين مثلما كانت الكلاب الأخرى تفعل مع جونز.
* * *اعتلى نابولين المنصة ووقفت خلفه الكلاب التسعة، وأعلن أنه لا يرى مبرراً لمواصلة عقد اجتماعات يوم الأحد، وقال إنها مجرد مضيعة للوقت. أما المسائل المتعلقة بعمل المزرعة فستبت في أمرها لجنة مختصة من الخنازير وسيضطلع هو شخصيا برئاستها ولكن من دون مناقشتها مع الحيوانات الأخرى، وستستمر مراسيم رفع العلم وإنشاد "حيوانات إنجلترا"، وستُعطى التعليمات بشأن العمل كالعادة.
وعلى الرغم من شدة الصدمة التي خلفها طرد سنوبول في نفوس الحيوانات، إلا أن إلغاء اجتماع أيام الأحد أصاب الحيوانات بالهلع، وعندما أراد بعضها الاعتراض على القرار، لم تجد الحجة المناسبة، حتى بوكسر أبدى تذمره، وحاول جاهدا حشد أفكاره غير أن عقله لم يسعفه، ولم يستطع في النهاية التعبير عن وجهة نظره، فلاذ بالصمت.
بيد أن مجموعة من الخنازير كانت أكثر وضوحا في التعبير عن انزعاجها، حين استهجنت أربعة منها يافعة القرار، فتقدمت نحو المنصة وأعلنت بصوت عال معارضتها لإلغاء الاجتماع، ولكن الكلاب المحيطة بنابولين أطلقت فجأة زمجرة توعد أرغمت الخنازير المناوئة على السكوت والعودة ذليلة إلى أماكنها. وبعد ذلك ارتفعت أصوات الخراف تهتف "الخير في ذوات السيقان الأربعة والشر في ذوات الساقين" لمدة ربع ساعة حتى انفض الاجتماع.
وبعد أن هدأت الحيوانات واستوعبت حقيقة ما جرى، أرسل سكويلر لشرح الترتيبات الجديدة فقال: ـ أيها الرفاق، إنني على ثقة أنكم تقدرون التضحيات إلى يبذلها الرفيق نابولين لتحمل هذا العبء الإضافي بنفسه. أرجو ألا يخطر ببال أحدكم أن الزعامة متعة بل على العكس إنها مسؤولية ثقيلة وصعبة للغاية.
وبصوت متهدج تابع حديثه:ـ لا أحد أكثر إيمانا بمبدأ المساواة بين الحيوانات من الرفيق نابولين.. كان بوده أن يجعلكم تتدبرون شؤونكم بأنفسكم، وتتخذون ما يناسبكم من القرارات، ولكنه يخشى عليكم، فقد تتخذون قرارات خاطئة لا تصلح لكم! نفترض مثلا أنكم وافقتكم الخائن سنوبول في هذيانه لبناء الطاحونة، فإلامَ سيؤول حالٌكم؟ إنه كما تعلمون ليس سوى مجرم أراد خداعكم! وأعترض أحد الحيوانات قائلا: ـ لكنه قاتل بشجاعة في معركة حظيرة البقر. ورد سكويلر: ـ الشجاعة وحدها لا تكفي.. الولاء والطاعة أهم من ذلك. أما بالنسبة لمعركة حظيرة البقر فسيأتي الوقت المناسب للكشف عن دور سنوبول المبالغ فيه. إننا في عصر النظام يا رفاق، فالانضباط الصارم هو شعار اليوم. زلة طفيفة وسيدوس عدونا على أعناقنا، وبالتأكيد أنتم لا ترغبون في عودة جونز.
ومرة أخرى، كانت هذه الحجة كفيلة بالإجابة عن التساؤلات كافة ‘ فلا أحد من الحيوانات يحن إلى عصر العبودية والذل! ومن أجل ذلك أبدت الحيوانات استعدادها وعن طيب خاطر للتنازل عن حق المشاركة في اتخاذ القرارات. حتى بوكسر، الذي كان لديه متسع من الوقت لإعادة التفكير، عبر عن هذا التحول في الرأي قائلا: "إذا كان هذا ما يقوله الرفيق نابولين، فالرفيق نابولين دائما على حق". ومنذ ذلك الوقت اعتنق شعارا آخر "نابولين دائما على حق" إلى جانب حكمته الشهيرة ""سأعمل بجهد أكبر".
***جاء الربيع بعد شتاء قارص شهدت خلاله المزرعة تحولات جساماً، وبدأت الحيوانات العمل في الحقل بهمة ونشاط.. كانت تجتمع كل يوم أحد الساعة العاشرة في الحظيرة لتتلقى الأوامر الأسبوعية. بيد أن طريقة جلوسها اختلفت في هذه الاجتماعات عما اعتادت عليه في المرات السابقة. فقد كان نابولين يتصدر الجلسة على منصة مرتفعة وبجانبه سكويلر، وتجلس الكلاب التسعة حولهما على شكل نصف دائرة في حين تجلس بقية الخنازير خلفهم بانتظام. أما الحيوانات الأخرى فكانت تجلس قبالتهم وسط الحظيرة. وكان نابولين يقرأ أوامر العمل بأسلوب عسكري صارم، ثم ينتهي الاجتماع بنشيد "حيوانات إنجلترا" مرة واحدة فقط.. بعده تتفرق الحيوانات كلٌ في سبيله.
***كانت الحظيرة الصغيرة التي بنى فيها سنوبول مجسمات الطاحونة قد أغلقت بعد طرده، واعتقد الجميع أنها هُدمت، لكن نابولين فاجأ الجميع عندما أعلن، بعد ثلاثة أسابيع فقط من طرد سنوبول، أنه يجب مواصلة التخطيط لبناء طاحونة الهواء، ولم يعط سببا لتغيير رأيه غير أنه حذر الحيوانات من أن العمل الإضافي يستدعي جهدا كبيرا ومزيدا من التضحية، وربما تطلَّب تخفيض حصص الطعام أيضا.
وفي المساء جاء سكويلر، مرة أخرى، لكشف ما اكتنف الموضوع من غموض، وتوضيح ما استعصى على بعض الحيوانات فهمه، إذ قال: ـ لم يكن الرفيق نابولين في الواقع معارضا لفكرة إنشاء طاحونة الهواء، بل على العكس كانت من بنات أفكاره وهو الذي دعا في البداية إلى إقامتها. أما المخططات التي رُسمت في الحظيرة الصغيرة فإنها سرقت من مجموعة أوراق الرفيق نابولين. فالطاحونة في الواقع هي من وحي اختراعه.وأنبرى أحد الحيوانات متسائلا: ـ ولكن لماذا عارض بقوة إنشاءها؟ نظر سكويلر إليه بخبث ثم نقل عينيه إلى الوجوه أمامه، ورد متباهياً: ـ ذلك يا رفاق وجهٌ من أوجه البراعة السياسية والحنكة التي يتمتع بها الرفيق نابولين، فاعتراضه على الطاحونة ليس سوى مناورة ذكية للإطاحة بسنوبول.. ذلك المخلوق الخطير ذو التأثير السيئ. واستطرد:ـ والآن وقد أصبح سنوبول خارج المزرعة، ولم يعد يشكل خطراً على أحد، غدا بوسعنا متابعة تنفيذ المشروع من دون تدخله، وهذا يدعى تكتيكاً. وأعادها عدة مرات وهو يهز ذيله ويضحك حبوراً: ـ "تكتيك" يا رفاق "تكتيك".
هل فهمت الحيوانات التي اجتمع بها سكويلر شيئا مما كان يعنيه بتلك الكلمة؟ لا طبعا! لكن طريقته القوية للإقناع معززة بزمجرة الكلاب الثلاثة التي رافقته، كانت كفيلة بقبول إيضاحاته ـ وان لم تستوعبها الحيوانات ـ بلانقاش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق